الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
175- حدثنَا قُتَيْبَةُ حدثنَا الّليْثُ (بن سَعْدٍ) عَنْ نَافِعٍ عنِ ابن عُمَرَ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ فَكَأَنّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ". وفي البابِ عَنْ بُرَيدَةَ، وَنَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ ابن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ الزّهْرِيّ (أَيْضاً) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ (ابْنِ عُمَرَ) عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (فكأنما وتر) على بناء المفعول أي سلب وأخذ (أهله وماله) بنصبهما، ورفعهما، قال الحافظ هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر وأضمر في وتر مفعول ما لم يسم فاعله وهو عائد إلى الذي فاتته، فالمعنى أصيب بأهله وماله وهو متعد إلى مفعولين، ومثله قوله تعالى {ولن يتركم أعمالكم} وقيل وترههنا بمعنى نقص فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام الفاعل، ومن رده إلى الأهل رفع، قال القرطبي يروى بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ فيكون أهله هو الذي لم يسم فاعله، قال وظاهر الحديث التغليظ على من تفوته العصر وإن ذلك مختص بها. وروى ابن حبان وغيره من حديث نوفل بن معاوية مرفوعاً من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله. وهذا ظاهره العموم في الصلوات المكتوبات، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل بلفظ لأن يوتر لأحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة وهذا أيضاً ظاهره العموم. ويستفاد منه رواية النصب لكن المحفوظ من حديث نوفل بلفظ من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله أخرجه البخاري في علامات النبوة ومسلم أيضاً قال وبوب الترمذي على حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله على الساهي، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب ماله وأهله. وقد روى معنى ذلك عن سالم بن عبد الله ابن عمر ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم انتهى كلام الحافظ. قوله: (وفي الباب عن بريدة ونوفل بن معاوية) أما حديث بريدة فأخرجه البخاري بلفظ بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله. وأما حديث نوفل بن معاوية فتقدم تخريجه في كلام الحافظ (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم.
176- حدثنَا مُحَمّدُ بن مُوسَى الْبَصْرِيّ حدثنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَان الضّبَعيّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوني عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الصّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَا ذَرّ، أُمَرَاء يَكُونُونَ بَعْدِي يُمِيتُونَ الصّلاَةَ، فَصَلّ الصّلاَةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ صُلّيت لوقتها كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً، وَإِلاّ كنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلاَتَكَ". وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بن مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ أَبي ذَرّ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهْوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ: يَسْتَحِبّونَ أنْ يُصَلّىَ الرّجلُ الصّلاَةَ لِمِيقَاتِهَا إِذَا أَخّرَهَا الإمامُ ثم يصلي مع الإمام، وَالصّلاَةُ الأولى هِيَ الْمَكْتُوبَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ. وَأبُو عِمْرانَ الْجَونِيّ اسمه (عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيبٍ). قوله: (حدثنا محمد بن موسى البصري) أبو عبد الله الحرسي بفتح المهملتين، روى عن سهيل بن حزم وزياد البكائي وجماعة، وعنه الترمذي والنسائي وقال صالح وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة، وقال الحافظ في التقريب لين، وضبط الحرسي بفتح المهملة والراء وبالسين المعجمة (نا جعفر بن سليمان الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة بن نزار كذا في المغني لصاحب مجمع البحار، وقال في التقريب صدوق زاهد لكنه كان يتشيع (عن أبي عمران الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو بنون منسوب إلى الجون بطن من كندة كذا في المغني. قوله: (يميتون الصلاة) قال النووي معنى يميتون الصلاة يؤخرونها ويجعلونها كالميت الذي خرجت روحه، والمراد بتأخيرها عن وقتها أي عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها، فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع انتهى كلام النووي. قلت: فيه نظر قال الحافظ في الفتح: قد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها والآثار في ذلك مشهورة، منها ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: أخر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب إنما فعل ذلك عطاء خوفاً على نفسه من القتل ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة فقام أبو جحيفة فصلى، ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه، ومن طريق محمد بن أبي إسمعيل قال كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان انتهى كلام الحافظ. قوله: (فصل الصلاة لوقتها فإن صليت) أي صلاة الأمراء (لوقتها) أي في وقتها (كانت لك نافلة) أي كانت الصلاة التي صليت مع الأمراء نافلة لك (وإلا كنت قد أحرزت صلاتك) أي حصلتها فإنك قد صليت في أول الوقت. قال النووي معناه إذا علمت من حالهم تأخيرها عن وقتها المختار فصلها لأول وقتها، ثم إن صلوها لوقتها المختار فصلها أيضاً وتكون صلاتك معهم نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك بفعلك في أول الوقت أي حصلتها وصنتها واحتطت لها، قال والحديث يدل على أن الإمام إذا أخر الصلاة عن أول وقتها معهم يستحب للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفرداً ثم يصليها مع الإمام فيجمع فضيلتي أول الوقت والجماعة، قال وفي الحديث أن الصلاة التي يصليها مرتين تكون الأولى فريضة والثانية نفلا انتهى. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات كذا في مجمع الزوائد. وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أبو داود بلفظ ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها فقال رجل يا رسول الله أصلي معهم فقال نعم إن شئت ورواه أحمد بنحوه، وفي لفظ واجعلوا صلاتكم معهم تطوعاً، والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري. قوله: (حديث أبي ذر حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي. قوله: (والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم) وهو الحق وحديث الباب نص صريح فيه ومن قال بخلافه فليس له دليل صحيح. قوله: (وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب) وهو مشهور بكنيته ثقة من كبار الرابعة كذا في التقريب.
177- حدثَنَا قُتَيْبَةُ حدثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيّ عَن عَبْدِ الله بْنِ رَبَاحٍ (الأنْصَارِيّ) عَنْ أبي قَتَادَةَ قال: "ذَكَرُوا لِلنّبيّ صلى الله عليه وسلم نَوْمَهُمْ عَنِ الصّلاَةِ"؟ فَقَالَ: إِنّهُ لَيْسَ فِي النّوْمِ تَفْرِيط، إِنّمَا التّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاَةً أَوْ نَامَ عنها فَلْيُصَلّهَا إذَا ذَكَرَهَا". وفي البابِ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، وَأَبي مَرْيَمَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن، وَجبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَأَبي جُحَيْفَةَ، (وَأَبي سَعِيدٍ)، وَعَمْرِو بنِ أُميّةَ الضّمْرِيّ، وَذِي مِخْبَرٍ (وَيُقَالُ: ذِي مِخْمَرٍ) وَهُوَ ابنُ أَخِي النّجَاشِيّ. قال أبو عيسى: وَحَدِيثُ أَبي قِتَادَة حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرّجُلِ يَنَامُ عَنِ الصّلاة أوْ يَنْسَاهَا فَيَسْتَيْقِظُ أَوْ يَذْكُرُ وَهُوَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ، عِنْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ أَوْ عِنْدَ غُروبِهَا: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلّيهَا إذَا اسْتَيْقَظَ أوْ ذَكَرَ، وَإنْ كَانَ عِنْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا. وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ، وَإِسْحاقَ، وَالشّافِعِيّ، وَمَالِكٍ. وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يُصَلّي حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ أوْ تَغْرُبَ. قوله: (عن ثابت البناني) بضم الموحدة ونونين مخففتين هو ثابت بن أسلم أبو محمد البصري ثقة عابد روى عن ابن عمر وعبد الله بن مغفل وأنس وخلق من التابعين وعنه شعبة والحمادان وغيرهم، قال حماد بن زيد ما رأيت أعبد من ثابت وقال شعبة كان يختم كل يوم وليلة ويصوم الدهر وثقه النسائي وأحمد والعجلي كذا في التقريب والخلاصة قلت هو من رجال الكتب الستة (عن عبد الله بن رباح الأنصاري) المدني ثم البصري ثقة من الثالثة. قتله الأزارقة كذا في التقريب وهو من رجال مسلم والأربعة وهو من أوساط التابعين. قوله: (ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة) روى الترمذي هذا الحديث مختصراً ورواه مسلم مطولاً وذكر قصة نومهم وفيه فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ثم قال احفظوا علينا صلاتنا فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره الحديث، وفيه فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا (فقال إنه) الضمير للشان (ليس في النوم تفريط) أي تقصير ينسب إلى النائم في تأخيره الصلاة (إنما التفريط في اليقظة) أي إنما التفريط يوجد في حالة اليقظة بأن تسبب في النوم قبل أن يغلبه أو في النسيان بأن يتعاطى ما يعلم ترتبه عليه غالباً كلعب الشطرنج فإنه يكون مقصراً حينئذ ويكون آثماً كذا في المرقاة. وقال الشوكاني: ظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضييقه، وقيل إنه إذا تعمد النوم قبل تضييق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثماً، والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم لأن فعله في وقت يباح فعله فيشمله الحديث. وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك، ولا شك في إثم من نام بعد تضييق الوقت لتعلق الخطاب به والنوم مانع من الامتثال والواجب إزالة المانع انتهى (فإذا نسي أحدكم صلاة) أي تركها نسياناً (أو نام عنها) ضمن نام معنى غفل أي غفل عنها في حال نومه قاله الطيبي أي نام غافلاً عنها (فليصلها إذا ذكرها) أي بعد النسيان أو النوم وقيل فيه تغليب للنسيان فعبر بالذكر وأراد به ما يشمل الاستيقاظ والأظهر أن يقال إن النوم لما كان يورث النسيان غالباً قابلهما بالذكر. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأبي جحيفة وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر وهو ابن أخ النجاشي) أما حديث ابن مسعود فأخرجه أبو داود والنسائي، وأما حديث ابن أبي مريم فلم أقف عليه. وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود. وأما حديث جبير بن مطعم فلم أقف عليه. وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وأما حديث عمرو بن أمية فأخرجه أبو داود. وأما حديث ذي مخبر فأخرجه أيضاً أبو داود. قوله: (حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي قال الحافظ إسناد أبي داود على شرط مسلم انتهى، وأخرجه بنحوه في قصة نومهم في صلاة الفجر. قوله: (فقال بعضهم يصليها إذا استيقظ أو ذكر وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك) واستدلوا بأحاديث الباب. قال الشوكاني في النيل فجعلوها مخصصة لأحاديث الكراهة قال وهو تحكم لأنها يعني أحاديث الباب أعم منها يعني من أحاديث الكراهة من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الاَخر انتهى (وقال بعضهم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب) وبه قالت الحنفية، لما رواه البخاري عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروها حتى تغيب، ولعموم أحاديث الكراهة، وفيه أيضاً ما في استدلال القائلين بالجواز فتفكر.
178- حدثنَا قُتَيْبَةُ وَ بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ قَالاَ: حدثنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ (بنِ مَالِكٍ) قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلّهَا إذَا ذَكَرَهَا". وفي البابِ عَنْ سَمُرَةَ، وَأَبي قتَادَةَ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسنٌ صَحِيحٌ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ: أَنّهُ قالَ فِي الرّجُلِ يَنْسَى الصّلاةَ (قالَ): يُصَلّيهَا مَتَى (مَا) ذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتٍ. وَهُوَ قَوْلُ (الشّافِعِيّ)، وَأَحْمَدَ (بْنِ حَنْبَلٍ)، وَإِسْحاقَ. وَيُرْوَى عَنْ أبي بَكْرَةَ: أَنّهُ نَامَ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ، فاسْتَيْقَظَ عِنْدَ غُرْوبِ الشّمْسِ، فَلَمْ يُصَلّ حَتّى غَرَبَتِ الشّمْسُ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْكُوفَةِ إلَى هَذَا. وَأَمّا أَصْحَابُنَا فَذَهَبُوا إِلَى قَوْلِ عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ (رَضِيَ الله عَنْهُ). قوله: (من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها) زاد مسلم في رواية لا كفارة لها إلا ذلك. قال النووي معناه لا يجزئه إلا الصلاة مثلها ولا يلزمه مع ذلك شيء آخر. قوله: (وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة) أما حديث سمرة فأخرجه أحمد عن بشر بن حرب عنه قال أحسبه مرفوعاً: من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها، وبشر بن حرب ضعفه ابن المبارك وجماعة ووثقه ابن عدي وقال لم أرَ له حديثاً منكراً كذا في مجمع الزوائد، وأما حديث أبي قتادة فتقدم تخريجه في الباب المتقدم. قوله: (حديث أنس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة. قوله: (ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة يصليها متى ذكرها في وقت أو غير وقت) أي ذكرها في وقت الصلاة أو في غير وقتها (وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول الشافعي ومالك كما عرفت في الباب المتقدم، واستدلوا بحديث الباب (ويروى عن أبي بكرة أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس) لم أقف على من أخرج هذا الأثر ولا على من أخرج أثر على المتقدم (وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا) وهو قول أبي حنيفة، واستدلوا بأحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المنهية عنها (وأما أصحابنا فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب) المراد بقوله أصحابنا أهل الحديث وقد تقدم تحقيقه في المقدمة قال العيني في شرح البخاري: احتج بعضهم بقوله إذا ذكرها على جواز قضاء الفوائت في الوقت المنهي عن الصلاة فيه، قلت ليس بلازم أن يصلي في أول حال الذكر غاية ما في الباب أن ذكره سبب لوجوب القضاء فإذا ذكرها في الوقت المنهي وأخرها إلى أن يخرج ذلك وصلى يكون عاملاً بالحديثين أحدهما هذا والاَخر حديث النهي في الوقت المنهي عنه أنتهى. قلت: الظاهر المتبادر من قوله فَلْيُصَلّها حين يذكرها كما في رواية سمرة وكذا من قوله فليصلها إذا ذكرها قضاؤها في أول حال الذكر وأما قوله ليس بلازم أن يصلي في أول حال الذكر إلخ ففيه أن الحديث لا يدل على أن لا يصليها إذا ذكرها في الوقت المنهي بل فيه الأمر بقضاء الصلاة حين ذكرها مطلقاً في وقت أو غير وقت كما قال علي بن أبي طالب.
179- حدثنَا هَنّادٌ حدثَنا هُشَيمٌ عَنْ أبي الزّبَيْرِ عَنْ نَافِعِ بنِ جبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ الله (بْنِ مَسْعُودٍ) قال: قال عَبْدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ: "إِنّ المُشْرِكِينَ شَغَلوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَرْبَعِ صَلوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتّى ذَهَبَ مِنَ اللّيْلِ مَا شَاءَ الله، فَأَمَرَ بِلاَلا فَأَذّنَ، ثُمّ أَقامَ فَصَلّى الظّهْرَ، ثُمّ أَقامَ فَصَلّى الْعَصْرَ، ثُمّ أَقامَ فَصَلّى الْمَغْرِبَ، ثُمّ أَقامَ فَصَلّى الْعِشَاءَ". قالَ: وفي البابِ عَنْ أبي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ عَبْدِ الله لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إلا أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الله. وَهُوَ الذِي اخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْفَوَائِتِ: أنْ يُقِيمَ الرّجُلُ لكُلّ صَلاَةٍ إِذَا قَضَاهَا. وَإنْ لَمْ يُقِمْ أَجزأه. وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ. 180- (وَ) حدثنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (بُنْدَارُ) حدثنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حدثَني أَبي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِرٍ حدثَنَا أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله: "أنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَجَعَلَ يَسُبّ كُفّارَ قُرَيْش، قَالَ: يَا رَسُولَ الله مَا كِدْتُ أُصَلّي الْعَصْرَ حَتّى تَغْربَ الشّمْسُ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إِنْ صَلّيْتُها. قَالَ: فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ، فَتَوَضأَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَتَوَضّأْنَا، فَصَلّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشّمْسُ ثُمّ صَلّى بَعْدَها الْمَغْرِبَ". (قال أبو عيسى): هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. قوله: (عن أبي الزبير) اسمه محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة كذا في التقريب. قوله: (شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات) قال الحافظ في الفتح: في قوله أربع صلوات تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت انتهى. ويدل حديث جابر الاَتي على أنهم شغلوه عن صلاة العصر وحدها، قال اليعمري من الناس من رجح ما في الصحيحين وصرح بذلك ابن العربي أن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر. قال الحافظ في الفتح: ويؤيده حديث علي في مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، قال ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياماً فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام، قال وهذا أولى، قال ويقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر بل فيهما أن قضاءه للصلاة بعد خروج وقت المغرب. وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك عقب غروب الشمس انتهى كلام الحافظ (فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء) فيه دليل على أن الفوائت تقضى مرتبة الأولى فالأولى، قال الحافظ والأكثر على وجوب ترتيب الفوائت مع الذكر لا مع النسيان. وقال الشافعي لا يجب الترتيب فيها. واختلفوا فيما إذا تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير، فقال بالأول مالك وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث، وقال بالثالث أشهب وقال عياض محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت وأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة، واختلفوا في حد القليل فقيل صلاة يوم وقيل أربع صلوات، وقال ولا ينهض الاستدلال به يعني بحديث جابر الاَتي لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب إلا أن يستدل بعموم قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي، فيقوى وقد اعتبر الشافعية في أشياء غير هذه انتهى. قلت: استدل صاحب الهداية على وجوب ترتيب الفوائت بحديث الباب بضم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي، حيث قال: ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى. قال الحافظ ابن حجر في الدراية: في قول المصنف يعني صاحب الهداية ثم قال صلوا إلى آخره ما يوهم أنه بقية من الحديث وليس كذلك بل هو حديث مستقل. فلو قال وقال صلوا لكان أولى انتهى كلام الحافظ. وكذلك قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية. واستدل الحنفية على فرضية الترتيب بين الوقتيات والفوائت وبين الفوائت بعضها ببعض بقول ابن عمر: من نسي صلاة من صلاته فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا سلم الإمام فليصل صلاته التي نسي ثم ليصل بعدها الصلاة الأخرى. أخرجه مالك في الموطأ ورواه الدارقطني والبيهقي مرفوعاً ورفعه خطأ والصحيح أنه قول ابن عمر. قال الحافظ في الدراية: حديث من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعاً قال الدارقطني وهم أبو إبراهيم الترجماني في رفعه والصحيح أنه من قول ابن عمر هكذا رواه مالك وغيره عن نافع. وقال البيهقي قد رواه يحيى بن أيوب عن سعيد بن عبد الرحمن شيخ أبي أبراهيم فيه فوقفه انتهى. وهذا الموقوف عند الدارقطني وحديث مالك في الموطأ وقال النسائي في الكني رفعه غير محفوظ وقال أبو زرعة رفعه خطأ انتهى ما في الدراية. واستدل على وجوب الترتيب أيضاً بحديث لا صلاة لمن عليه صلاة قال العيني قال أبو بكر هو باطل. وتأوله جماعة على معنى لا نافلة لمن عليه فريضة. وقال ابن الجوزي هذا نسمعه على ألسنة الناس وما عرفت له أصلاً انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي سعيد وجابر) أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد والنسائي قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل الحديث وفيه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك. وقال وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} وإسناده صحيح وأما حديث جابر فأخرجه البخاري ومسلم وأخرجه الترمذي في هذا الباب. قوله: (حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله) فالحديث منقطع لكنه يعتضد بحديث أبي سعيد المذكور وهذا الحديث أخرجه أيضاً النسائي. قوله: (وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها) وهو المذهب الراجح المختار يدل عليه حديث الباب وحديث أبي سعيد المذكور. قوله: (قال يوم الخندق) وهو غزوة الأحزاب (وجعل يسب كفار قريش) لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها إما المختار كما وقع لعمر وأما مطلقاً كما وقع لغيره (ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس) وفي رواية للبخاري ما كدت أصلي العصر حتى كانت الشمس تغرب، قال اليعمري لفظة كاد من أفعال المتقاربة فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم. قال والراجح أن لا تقترن بأن بخلاف عسى فإن الراجع فيها أن تقترن، قال وقد وقع في مسلم في هذا الحديث حتى كادت الشمس أن تغرب قال وإذا تقرر أن معنى كاد المقاربة فقول عمر ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها وإثبات الغروب يقتضي نفيه فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب انتهى. قلت: الأمر كما قال اليعمري لأن كاد إذا أثبتت نفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري ملغزاً. وإذا نفت والله أعلم أثبتت وإن أثبتت قامت مقام حجود فإن قيل الظاهر أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف أختص بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم. فالجواب: أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس وكان عمر حينئذ متوضئاً فبادر فأوقع الصلاة ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء قاله الحافظ (والله إن صليتها) لفظة إن نافية وفي رواية البخاري والله ما صليتها (قال فنزلنا بطحان) بضم أوله وسكون ثانيه واد بالمدينة (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب) استدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر وقد وقع في حديث ابن مسعود المذكور في الباب فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر الحديث. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
181- حدّثنَا محمودُ بْنُ غَيْلاَنَ حدّثنا أَبو دَاودَ الطّيَالِسِيّ وَ أَبو النّضْرِ عنْ مَحمدِ بنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرّفٍ عَنْ زُبَيْدٍ عنْ مُرّةَ الهَمْدَانيّ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ الوُسْطَى صَلاَةُ العَصْر". قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ (حَسَنٌ) صحيحٌ. 182- حدّثنَا هَنّادٌ حدّثَنا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَة بنِ جُنْدبٍ عنِ النّبي صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "صَلاَةُ الوُسْطَى صلاَةُ الْعَصْرِ". (قَالَ): وفي البابِ عَنْ عَلِيّ وَ (عبْدِ الله بنِ مَسْعُود)، (وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ) وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَأَبي هُرَيْرَةَ، وأَبي هَاشِمِ بن عُتْبَةَ. قال أبو عيسى: قَالَ محمدٌ: قَالَ عَلِيّ بنُ عَبْدِ الله حَدِيثُ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَة (بنِ جُنْدبٍ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ. وقال أبو عيسى: حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي صلاةِ الوُسْطى حدِيثٌ حَسَنٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَماءِ مِنْ أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. وَقال زَيْدُ بنُ ثابِتٍ وَعائشَةُ: صَلاَةُ الْوُسْطَى صلاَةُ الظّهْرِ. وَقالَ ابْنُ عبّاسٍ وَابنُ عُمَرَ: صَلاَةُ الوُسْطَى صلاة الصّبْحِ. حدّثنا أبو مُوسى محمدُ بنُ المُثنّى حَدّثَنا قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ قال قال: لِي مُحمدُ بنُ سِيرينَ: سَلِ الْحَسَنَ: مِمّنْ سَمِعَ حَدِيثَ العَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ، فَقال سَمِعْتُهُ مِنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ. قال أبو عيسى: وَأَخْبَرَنِي محمدُ بنُ إِسْمَعِيلَ حدّثنا علِيّ بنُ عبْدِ الله بْنِ المَدِيِنِيْ عنْ قُريْشِ بْنِ أَنَسٍ بِهَذَا الحَدِيثِ. قال: مُحَمّدٌ: قالَ عَلِيّ: وَسَماعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ. وَاحْتَجّ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قوله: (عن سعيد) هو ابن المسيب (عن الحسن) هو ابن أبي الحسن البصري (عن سمرة) بفتح السين وضم الميم (بن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح صحابي مشهور له أحاديث مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين. قوله: (أنه قال في صلاة الوسطى صلاة العصر) لأنها وسطى بين صلاتي النهار وصلاة الليل والحديث رواه أحمد أيضاً وفي رواية له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها صلاة العصر. قوله: (هذا حديث صحيح) أي حديث ابن مسعود صحيح وأخرجه مسلم. قوله: (وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة) أما حديث علي فأخرجه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس. ولمسلم وأحمد وأبي داود شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأما حديث عائشة فأخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه. وأما حديث حفصة فأخرجه مالك في الموطأ قال عمرو بن رافع إنه كان يكتب لها مصحفاً فقالت له إذا أنتهيت إلى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فآذني فآذنتها فقالت اكتب والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي كذا في شرح سراج أحمد. قوله: (حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن) كذا حسنه ههنا وصححه في التفسير. وقد اختلف في صحة سماع الحسن من سمرة فقال شعبة لم يسمع منه شيئاً وقيل سمع منه حديث العقيقة وقال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح ومن أثبت مقدم على من نفى كذا في النيل ويأتي بسط الكلام فيه. قوله: (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) قال النووي في مجموعه: الذي يقتضي الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار، وقال الماوردي نص الشافعي أنها الصبح وصحت الأحاديث أنها العصر فكان هذا هو مذهبه لقوله إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي على عرض الحائط. وقال الطيبي هذا هو مذهب كثير من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد وداود وقيل الصبح وعليه بعض الصحابة والتابعين وهو مشهور مذهب مالك والشافعي وقيل الظهر وقيل المغرب وقيل العشاء. وقيل أخفاها الله تعالى في الصلوات كليلة القدر وساعة الإجابة في الجمعة انتهى كذا في المرقاة. وفي الباب أقوال أخر ذكرها الشوكاني في النيل وقال المذهب الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته هو أن الصلاة الوسطى هي العصر انتهى. قلت لا شك أن هذا هو الحق والصواب يدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة. قوله: (وقال زيد بن ثابت وعائشة الصلاة الوسطى صلاة الظهر) روى أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين انتهى. واستدل بهذا الحديث من قال إن الصلاة الوسطى هي الظهر. قال الشوكاني: وأنت خبير بأن مجرد كون صلاة الظهر كانت شديدة على الصحابة لا يستلزم أن تكون الاَية نازلة فيها، غاية ما في ذلك أن المناسب أن تكون الوسطى هي الظهر، ومثل هذا لا يعارض به النصوص الصحيحة الصريحة في أن الصلاة الوسطى هي العصر الثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة انتهى (وقال ابن عباس وابن عمر الصلاة الوسطى صلاة الصبح) وهو مذهب الشافعي صرح به في كتبه. قال وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر انتهى. واستدل الماوردي من أصحابه إن مذهبه إنها العصر لصحة الأحاديث فيه قال من قال إن الصلاة الوسطى هي الصبح بما رواه النسائي عن ابن عباس قال أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها فلم يصل حتى ارتفعت الشمس وهي صلاة الوسطى. قال الشوكاني ويمكن الجواب عن ذلك من وجهين: الأول أن ما روي من قوله في هذا الخبر وهي صلاة الوسطى يحتمل أن يكون من المدرج وليس من قول ابن عباس، ويحتمل أن يكون من قوله وقد أخرج عنه أبو نعيم أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وهذا صريح لا يتطرق إليه من الاحتمال ما يتطرق إلى الأول فلا يعارضه. الوجه الثاني أنه روى عنه أحمد في مسنده قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها فلما رأى ذلك قال اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم ناراً أو قبورهم ناراً. وقد تقرر أن الاعتبار عند مخالفة الراوي روايته بما روى لا بما رأى انتهى. قوله: (قال محمد قال علي وسماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث) في سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب. أحدها: أنه سمع منه مطلقاً وهو قول ابن المديني ذكره البخاري عنه والظاهر من الترمذي أنه يختار هذا القول فإنه صحح في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة واختار الحاكم هذا القول فقال في كتابه المستدرك بعد أن أخرج حديث الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءته. ولا يتوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة فإنه سمع منه انتهى. وأخرج في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة وقال في بعضها على شرط البخاري وقال في كتاب البيوع بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم. وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة انتهى. القول الثاني: أنه لم يسمع منه شيئاً واختاره ابن حبان في صحيحه فقال بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة في السكتتين والحسن لم يسمع من سمرة شيئاً انتهى. وقال صاحب التنقيح قال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال شعبة الحسن لم يسمع من سمرة قال البرديجي: أحاديث الحسن عن سمرة كتاب ولا يثبت عنه حديث قال فيه سمعت سمرة انتهى كلامه. القول الثالث: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط قاله النسائي. وإليه مال الدارقطني في سننه فقال في حديث السكتتين: والحسن اختلف في سماعه من سمرة ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة فيها قاله قريش بن أنس انتهى. واختاره. عبد الحق في أحكامه فقال عند ذكره هذا الحديث: والحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة واختاره البزار في مسنده فقال في آخر ترجمة سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والحسن سمع من سمرة حديث العقيقة ثم رغب عن السماع عنه ولما رجع إلى ولده أخرجوا له صحيفة سمعوها من أبيهم فكان يرويها عنه من غير أن يخبر بسماع لأنه لم يسمعها منه انتهى. روى البخاري في تاريخه عن عبد الله بن أبي الأسود عن قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال محمد بن سيرين: سئل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة فسألته فقال سمعته من سمرة، وعن البخاري رواه الترمذي في جامعه بسنده ومتنه ورواه النسائي عن هارون بن عبد الله عن قريش وقال عبد الغني تفرد به قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد، وقد رده آخرون وقالوا لا يصح له سماع منه انتهى كذا في نصب الراية في تخريج الهداية للزيلعي، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب ففي صحيح البخاري سماعاً منه لحديث العقيقة وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربعة وعند علي بن المديني أن كلها سماع، وكذا حكى الترمذي عن البخاري وقال يحيى القطان وآخرون هي كتاب، وذلك لا يقتضي الانقطاع، وفي مسند أحمد حدثنا هشيم عن حميد الطويل وقال جاء رجل إلى الحسن فقال إن عبداً له أبق وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده. فقال الحسن حدثنا سمرة قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ونهى عن المثلة. وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة، وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة: دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة. قال الحافظ ولم يظهر لي وجه الدلالة بعد انتهى. وقال الشوكاني في النيل: تحت حديث الحسن عن سمرة المذكور في هذا الباب ما لفظه: وحديث سمرة حسنه الترمذي في كتاب الصلاة من سننه وصححه في التفسير ولكنه من رواية الحسن عن سمرة وقد اختلف في صحة سماعه منه، فقال شعبة لم يسمع منه شيئاً وقيل سمع منه حديث العقيقة وقال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح، ومن أثبت مقدم على من نفى انتهى.
183- حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حدثنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، وَهُوَ ابْنُ زَاذَانَ عَنْ قَتَادَةَ (قَالَ): أَخْبَرَنَا أبُو الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: سَمعتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَكَانَ مِنْ أَحَبّهمْ إِلَيّ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ، وَعَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ". (قَالَ): وفي البابِ عَنْ عَلِيّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُقْبَةَ بن عَامِرِ، وَأَبِي هُرَيْرَة، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَبْدِ الله بْن عْمرٍو، وَمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، وَالصّنَابِحيّ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وسلمة لن الأكوع وزيد بن ثابت وَعَائِشَةَ، وَكَعْبِ بنِ مُرّةً، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعَمْرو بنِ عَبَسَةَ، (وَيَعْلَى بنِ أُمَيّةَ، وَمُعاوِيةَ). قال أبو عيسى: حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ عُمَرَ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَمن بَعْدَهُمْ: أَنّهُمْ كرِهُوا الصّلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ الصّبْحِ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ، وبَعْدَ (صَلاَةِ) الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ. وَأمَا الصّلَوَاتُ الْفَوَائِتُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ تُقْضَى بَعْدَ الْعَصْرِ وبَعْدَ الصّبْحِ. قَالَ عَلِيّ بنْ الْمدِيني: قَال يَحْيَي بنُ سَعِيدٍ: قَال شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةَ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إِلاّ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ: حَدِيثَ عُمَرَ: "أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ، وَبَعْدَ الصّبْح حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ" وَحَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لاَ يَنْبَغِي لأِحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتّى" وحَدِيثَ عَليّ: القُضَاةُ ثَلاَثَةٌ". قوله: (وهو ابن زاذان) بزاي وذال معجمة الواسطي أبو المغيرة الثقفي ثقة ثبت عابد (أنا أبو العالية) اسمه رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي ثقة كثير الإرسال من كبار التابعين. قوله: (نهى عن الصلاة بعد الفجر) أي بعد صلاة الفجر (حتى تطلع الشمس). وفي حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، قال الحافظ في الفتح: ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص أي حتى تطلع مرتفعة (وعن الصلاة بعد العصر) أي بعد صلاة العصر. قوله: (وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصنابحي ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية) أما حديث علي فأخرجه أبو داود عن عاصم بن ضمرة عنه بلفظ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلمن يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر، والحديث سكت عنه أبو داود وقال المنذري في تلخيصه وقد تقدم الكلام على عاصم بن ضمرة. وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطحاوي بلفظ كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري ومسلم. وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الجماعة إلا البخاري بلفظ ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا الحديث. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم. وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم. وأما حديث سمرة بن جندب وحديث سلمة بن الأكوع فلم أقف عليهما. وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه الطبراني. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني في الأوسط. وأما حديث معاذ بن عفراء فذكر حديثه ابن سيد الناس في شرح الترمذي بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه، وأما حديث الصنابحي وهو بضم الصاد المهملة فأخرجه مالك وأحمد والنسائي. وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهي عنها ويواصل وينهي عن الوصال. وأما حديث كعب بن مرة فأخرجه الطبراني. وأما حديث أبي أمامة فلم أقف عليه. وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود. وأما حديث يعلى بن أمية فلم أقف عليه. وأما حديث معاوية فأخرجه البخاري. قال الحافظ في التلخيص وفي الباب أيضاً عن سعد بن أبي وقاص وأبي ذر وأبي قتادة وحفصة وأبي الدرداء وصفوان بن معطل وغيرهم. قوله: (حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما. قوله: (وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح إلخ) قال القاضي: اختلفوا في جواز الصلاة في الأوقات الثلاثة وبعد صلاة الصبح إلى الطلوع وبعد صلاة العصر إلى الغروب فذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقا. وقد روى عن جمع من الصحابة فلعلهم لم يسمعوا نهيه عليه السلام أو حملوه على التنزيه دون التحريم. وخالفهم الأكثرون فقال الشافعي لا يجوز فيها فعل صلاة لا سبب لها. أما الذي له سبب كالمنذورة وقضاء الفائتة فجائز لحديث كريب عن أم سلمة واستثنى أيضاً مكة واستواء الجمعة لحديث جبير بن مطعم وأبي هريرة. وقال أبو حنيفة يحرم فعل كل صلاة في الأوقات الثلاثة سوى عصر يومه عند الاصفرار ويحرم المنذورة والنافلة بعد الصلاتين دون المكتوبة الفائتة وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة. وقال مالك يحرم فيها النوافل دون الفرائض ووافقه غير أنه جوز فيها ركعتي الطواف كذا في المرقاة. وقال النووي أجمعت الأئمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها. واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها. واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة. وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى ويلتحق ماله سبب انتهى. قال الحافظ بعد نقل كلام النووي هذا: وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقاً وأن أحاديث النهي منسوخ وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقاً في جميع الصلوات وقد صح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات انتهى. قوله: (قال شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء إلخ) المقصود من ذكر هذا أن حديث الباب من طريق قتادة عن أبي العالية موصول (وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) بفتح الميم والفوقية المشددة وقوله أنا عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ذلك صلى الله عليه وسلم تواضعاً إن كان قاله بعد أن علم أنه سيد البشر. وقيل عبارة عن كل قائل يقول ذلك كي لا يفضل أحد نفسه على يونس عليه السلام قيل وخص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة. والحديث أخرجه البخاري وغيره.
184- حدثَنَا قُتَيْبَةُ حدثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: "إِنّمَا صلّى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ لأِنّهُ أتَاهُ مَالٌ فَشَغَلَهُ عَنِ الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظّهْرِ، فَصَلاّهُما بَعْدَ الْعَصْرِ، ثَمّ لَمْ يَعُدْ لَهُمَا". وفي البابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةَ، وَأبي مُوسَى. قال أبو عيسى: حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ حَدِيثٌ حسنٌ. وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّهُ صَلّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ". وَهَذَا خِلاَفُ مَا رُوِيَ (عَنْهُ): "أَنّهُ نَهَىَ عَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ". وَحَدِيثُ ابْنِ عبّاسٍ أَصحّ حَيْثُ قالَ "لَمْ يَعُدْ لَهُمَا". وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَحوُ حَدِيث ابْنِ عَبّاسٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ: رُوِيَ عَنْهَا: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَا دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلاّ صَلى ركعتينِ". وَرُوِيَ عَنْها عنْ أُمّ سَلَمَةَ "عنِ النّبي صلى الله عليه وسلم: "أَنّهُ نَهَى عَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ، وَبَعْدَ الصّبْحِ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ". وَالّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَلَى كراهِيةِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ، وَبَعْدَ الصّبْحِ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ، إِلاّ مَا اسْتُثْنِي مِنْ ذَلِك، مِثْلُ الصّلاَةِ بِمَكّةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ وَبَعْدَ الصّبْحِ حَتّى تَطْلُعَ الشمْسُ بَعْدَ الطّوَافِ، فَقَدْ رُوِي عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم رُخْصَةٌ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَبِهِ يَقُولُ الشّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ كَرِه قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ منْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ الصّلاَةَ بمَكّةَ أَيْضاً بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصّبْحِ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَبَعْضُ أَهْلِ الكُوفَةِ. قوله: (نا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثم الرازي ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه (عن عطاء بن السائب) الثقفي الكوفي صدوق اختلط في آخره عمره قال ابن مهدي يختم كل ليلة. قوله: (إنما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال إلخ) وفي صحيح البخاري من حديث أم سلمة صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين وقال شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر (ثم لم يعدلهما) من عاد يعود. وهذا معارض بروايات عائشة رضي الله عنها: منها قولها ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط. ومنها قولها ما تركهما حتى لقي الله. ومنها قولها وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين أخرج هذه الروايات البخاري وغيره. فوجه الجمع أنه يحمل النفي على عدم علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافي وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة الحديث. وفي رواية له عنها لم أره يصليهما قبل ولا بعد فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيته فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة في رواية للبخاري وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن تثقل على أمته. قوله: (وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى) أما حديث عائشة وحديث أم سلمة فمر تخريجهما آنفاً. وأما حديث ميمونة فأخرجه أحمد قال في النيل في إسناده حنظلة السدوسى وهو ضعيف. وقد أخرجه أيضاً الطبراني. وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد في مسنده ص 416ج4 بلفظ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه ابن حبان قال الحافظ في الفتح: هو من رواية جرير عن عطاء وقد سمع منه بعد اختلاطه وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة انتهى. قلت أراد بحديث أم سلمة حديثها الذي أخرجه الطحاوي بزيادة فقلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا ويأتي عن قريب. قوله: (وقد روى عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس) رواه أحمد في مسنده عن قبيصة بن ذؤيب يقول إن عائشة أخبرت آل الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد العصر فكانوا يصلونها. قال قبيصة فقال زيد بن ثابت يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة إنما كان ذلك لأن أناساً من الأعراب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئاً فصلاهما بعد العصر يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر. قوله: (وقد روى في هذا الباب روايات) أي مختلفة بعضها يدل على جواز الصلاة بعد العصر وبعضها يدل على عدم الجواز (روي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دخل عليها بعد العصر إلى صلى ركعتين) أخرجه البخاري وغيره فهذا يدل على الجواز (وروى عنها عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس) هذا يدل على عدم الجواز. وقد قيل لرفع الاختلاف إن رواية عائشة الأولى محمولة على الصلاة التي لها سبب وروايتها الثانية على الصلاة التي لا سبب لها. قلت: يؤيده ما في رواية أم سلمة عند الشيخين يا رسول الله سمعتك تنهي عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما قال يا ابنة أبي أمية سألت عن هاتين الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، وقيل إن صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر من خصوصياته صلى الله عليه وسلم. قلت: يؤيده ما رواه الطحاوي من حديث أم سلمة وزاد فقلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا، لكن هذه الرواية ضعيفة لا تقوم بها حجة كما صرح به الحافظ في الفتح، وقال فيه ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي لأن رواية الإثبات لها سبب فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه. والنهي فيه محمول على ما لا سببب له. وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بماله سبب فيحمل الفعل على الخصوصية ولا يخفى رجحان الأول انتهى كلام الحافظ فتفكر وتأمل. قوله: (والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ما استثني من ذلك إلى قوله فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة في ذلك) أشار إلى حديث جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. قال الحافظ في بلوغ المرام رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان (وقد قال به) أي بما ذكر من كراهة الصلاة بعد العصر وبعد الصبح إلا ما استثني (قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) احتجوا بأحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح وبما روي في الرخصة في ذلك قالوا بهما (وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضاً بعد العصر وبعد الصبح وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة) وبه يقول أبو حنيفة واحتجوا بعموم النهي. قال الشوكاني في النيل: قد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك. وتعقبه الحافظ بأنه قد حكى عن طائفة من السلف الإباحة مطلقاً وأن أحاديث النهي منسوخة. قال: وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم. وقد اختلف القائلون بالكراهة فذهب الشافعي إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب، واستدل بصلاته صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر. قال الشوكاني: وأجاب عن ذلك من أطلق الكراهة بأن ذلك من خصائصه. والدليل عليه ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت: كان يصلي بعد العصر وينهي عنهما ويواصل وينهي عن الوصال وما أخرجه أحمد عن أم سلمة أنها قالت: فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال: لا قال البيهقي: وهي رواية ضعيفة، وقد احتج بها الطحاوي على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قال البيهقي الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء انتهى. وفي سند حديث عائشة محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء وهو مدلس ورواه عن محمد بن عمرو بالعنعنة قال وذهب أبو حنيفة إلى كراهة التطوعات في هذين الوقتين مطلقاً. واستدل القائلون بالإباحة مطلقاً بأدلة ثم ذكر تلك الأدلة وتكلم على كل واحد منها وليس واحد منها خالياً عن الكلام ثم قال: واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة فما كان أخص منها مطلقاً كحديث يزيد بن الأسود وابن عباس وحديث علي وقضاء سنة الظهر بعد العصر وسنة الفجر بعده فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم، وما كان بينه وبين أحاديث الباب عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت والصلاة على الجنازة لقوله صلى الله عليه وسلم: يا علي ثلاث لا تؤخر الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت الحديث أخرجه الترمذي وصلاة الكسوف لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة والركعتين عقب التطهر وصلاة الاستخارة وغير ذلك، فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص منها من وجه وليس أحد العمومين أولى من الاَخر بجعله خاصاً لما فيه من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج انتهى كلام الشوكاني بتلخيص واختصار.
185- حدثنا هَنّادٌ حدثنَا وَكِيعٌ عنْ كَهْمَسِ بن الحَسَنِ عنْ عَبْد الله بن بُرَيْدَةَ عَنْ عبْدِ الله بْن مُغَفّلٍ عنْ النّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَ كُلّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمنْ شَاءَ". وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بن الزّبَيْرِ. قال أبو عيسى: حديثُ عَبْد الله بن مُغَفّلٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي الصّلاَةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ: فلَمْ يَرَ بَعْضُهُمُ الصّلاَةَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. وَ (قَدْ) رُوِي عنْ غَيْرِ وَاحِدٍ منْ أَصحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أَنّهُمْ كانُوا يُصَلّونَ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ رَكعَتَيْنِ، بَيْنَ الأذَانِ والاْقامَةِ. وَقَالَ أَحمدُ وَإِسْحَاقُ: إِنْ صَلاّهُمَا فَحَسَنٌ. وَهَذَا عِنْدهُمَا عَلَى الاسْتِحْبَابِ. قوله: (عن كهمس بن الحسين) كذا في النسخ الحاضرة بالتصغير وفي التقريب والخلاصة كهمس بن الحسن بالتكبير، وثقه أحمد وابن معين (عن عبد الله بن بريدة) ابن الحصيب الأسلمي المروزي قاضيها ثقة (عن عبد الله بن مغفل) صحابي بايع تحت الشجرة ونزل البصرة مات سنة 57 سبع وخمسين وقيل بعد ذلك. قوله: (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة وهذا من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر. ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت (صلاة) أي وقت صلاة أو المراد صلاة نافلة قاله الحافظ. قلت لا حاجة إلى تقدير الوقت (لمن شاء) أي كون الصلاة بين الأذانين لمن شاء. وفي الصحيحين عن عبد الله بن مغفل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين. قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة كذا في المشكاة. والحديث دليل على جواز الركعتين بعد أذان المغرب وقبل صلاته وهو الحق، والقول بأنه منسوخ مما لا التفات إليه فإنه لا دليل عليه. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن الزبير) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن سليم بن عامر عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان، كذا في نصب الراية ورواه محمد بن نصر أيضاً في قيام الليل ص 26، وفي الباب أيضاً عن أنس بن مالك وعقبة بن عامر وسيجيء تخريجهما. قوله: (حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما. قوله: (فلم ير بعضهم الصلاة قبل المغرب) وهو قول مالك والشافعي على ما قال الحافظ في الفتح وهو قول أبي حنيفة. وعن مالك قول آخر باستحبابهما وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه وقال في شرح مسلم قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة ومع ذلك فزمنها يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها انتهى. قال الحافظ: ومجموع الأدلة يرشد إلى تخفيفهما كما في ركعتي الفجر انتهى. واحتج من لم ير الصلاة قبل المغرب بأحاديث ذكرها الحافظ الزيلعي قال لأصحابنا في تركها أحاديث: منها ما أخرجه أبو داود عن طاوس قال: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما ورخص في الركعتين بعد العصر. قال الزيلعي سكت عنه أبو داود ثم المنذري في مختصره فهو صحيح عندهما. قال النووي في الخلاصة إسناده حسن قال: وأجاب العلماء عنه بأنه نفي فتقدم رواية المثبت ولكونها أصح وأكثر رواة ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر انتهى. قلت: جوابهم هذا حسن صحيح وذكر الزيلعي هذا الجواب وأقره ولم يتكلم عليه بشيء. قال الزيلعي: حديث آخر أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن حيان بن عبيد الله العدوي ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب، انتهى ورواه البزار في مسنده وقال لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا حيان بن عبيد الله وهو رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس انتهى كلامه، وقال البيهقي في المعرفة أخطأ فيه حيان بن عبيد الله في الإسناد والمتن جميعاً، أما السند فأخرجاه في الصحيح عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين كل أذانين صلاة قال في الثالثة لمن شاء. وأما المتن فكيف يكون صحيحاً وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا قبل المغرب ركعتين وقال في الثالثة لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة رواه البخاري في صحيحه انتهى. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ونقل عن الفلاس أنه قال كان حيان هذا كذاباً انتهى كلام الزيلعي. وقال الحافظ في الفتح. وأما رواية حيان فشاذة لأنه وإن كان صدوقاً عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه عند الإسمعيلي وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظاً لم يخالف بريدة راويه انتهى. قلت: قال الزيلعي: حديث آخر رواه الطبراني في كتاب مسند الشاميين عن جابر قال: سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب فقلن لا غير أن أم سلمة قالت صلاهما عندي مرة فسألته ما هذه الصلاة فقال نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما الاَن انتهى. قلت: على تقدير صحة هذا الحديث فجوابه هو ما ذكره الزيلعي نقلاً عن النووي من أنه نفي فتقدم رواية المثبت إلخ. قال الزيلعي: حديث آخر معضل رواه محمد بن الحسن في الآثار أخبرنا أبو حنيفة ثنا حماد بن أبي سليمان أنه سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب فنهاه عنها وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر لم يكونوا يصلونها انتهى. قلت: هذا الحديث لا يصلح للاستدلال فإنه معضل. فهذه الأحاديث هي التي احتج بها من منع الصلاة قبل المغرب وقد عرفت أنه لا يصح الاحتجاج بواحد منها. وادعى بعضهم بنسخ الصلاة قبل المغرب فقال إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس فبين لهم بذلك وقت الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها. قلت: هذا ادعاء محض لا دليل عليه فلا التفات إليه، وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما. فإن قلت: قال العيني في عمدة القاري: ادعى ابن شاهين أن هذا الحديث منسوخ بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب، ويزيده وضوحاً ما رواه أبو داود في سننه عن طاوس قال سئل ابن عمر عن الركعتين بعد المغرب فقال ما رأيت أحداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما ورخص في الركعتين بعد العصر انتهى كلام العيني. قلت: قد عرفت آنفاً أن حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه هذا شاذ والاستثناء فيه غير محفوظ، قد أخطأ حيان بن عبيد الله الراوي عن عبد الله بن بريدة في الإسناد والمتن. وأما قول ابن عمر ما رأيت أحداً إلخ، فقد عرفت في كلام الزيلعي بأنه نفي فتقدم رواية المثبت ولكونها أصح وأكثر رواة، ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر. فالعجب من العيني أنه ذكر ادعاء ابن شاهين النسخ بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه ولم يرد عليه بل أقره بل قال ويزيده وضوحاً إلخ (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة) أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرته وبعد وفاته. وكذلك روي عن غير واحد من التابعين وتبعهم أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب. زاد مسلم حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما. وفي رواية النسائي قال كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي عن أبي الخير رأيت أبا تميم الجيشاني يركع الركعتين حين يسمع أذان المغرب فأتيت عقبة بن عامر الجهني فقلت له ألا أعجبك من أبي تميم الجيشاني عبد الله بن مالك يركع ركعتين قبل المغرب وأنا أريد أن أغمصه فقال عقبة إنما كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يمنعك الاَن قال الشغل. وعن زر: قدمت المدينة فلزمت عبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب فكانا يصليان ركعتين قبل صلاة المغرب لا يدعان ذلك. وعن رغبان مولى حبيب بن مسلمة قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهبون إليهما كما يهبون إلى المكتوبة يعني الركعتين قبل المغرب. وعن خالد بن معدان أنه كان يركع ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب لم يدعهما حتى لقي الله وكان يقول إن أبا الدرداء كان يركعهما يقول لا أدعهما وإن ضربت بالسياط. وقال عبد الله بن عمرو الثقفي رأيت جابر بن عبد الله يصلي ركعتين قبل المغرب. وعن يحيى بن سعيد أنه صحب أنس بن مالك إلى الشام فلم يكن يترك ركعتين عند كل أذان. وسئل قتادة عن الركعتين قبل المغرب فقال كان أبو برزة يصليهما. وكان عبد الله بن برزة ويحيى بن عقيل يصليان قبل المغرب ركعتين. وعن الحكم رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي قبل المغرب ركعتين. وسئل الحسن عنهما فقال حسنتين والله جميلتين لمن أراد الله بهما. وعن سعيد بن المسيب حق على كل مؤمن إذا أذن أن يركع ركعتين. وكان الأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير يركعهما. وأوصى أنس بن مالك ولده أن لا يدعوهما. وعن مكحول على المؤذن أن يركع ركعتين على إثر التأذين. وعن الحكم بن الصلت رأيت عراك بن مالك إذا أذن المؤذن بالمغرب قام فصلى سجدتين قبل الصلاة. وعن عبيد الله بن عبد الله بن عمر إن كان المؤذن ليؤذن بالمغرب ثم تقرع المجالس من الرجال يصلونهما انتهى ما في كتاب قيام الليل بقدر الحاجة. وفيه آثار أخرى من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه. ثم ذكر محمد بن نصر فيه: من لم يركع الركعتين قبل صلاة المغرب فقال: عن النخعي قال كان بالكوفة من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو مسعود الأنصاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب فأخبرني من رمقهم كلهم فما رأى أحداً منهم يصليهما قبل المغرب، وفي رواية أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلون الركعتين قبل المغرب وقيل لإبراهيم أن ابن أبي هذيل كان يصلي قبل المغرب قال إن ذاك لا يعلم انتهى. وقال: ليس في حكاية هذا الذي روى عنه إبراهيم أنه رمقهم فلم يرهم يصلونهما دليل على كراهتهم لهما إنما تركوهما لأن تركهما كان مباحاً، وقد يجوز أن يكون أولئك الذين حكى عنهم من حكى أنه رمقهم فلم يرهم يصلونهما قد صلوهما في غير الوقت الذي رمقهم انتهى كلام محمد بن نصر. قلت: على أنه قد ثبت أن إبراهيم النخعي لم يلق أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة ولم يسمع منها شيئاً، ففي أثره الأول مجهول، وفي أثره الثاني انقطاع، إذا عرفت هذا كله ظهر لك بطلان قول القاضي أبي بكر بن العربي اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم، وكذلك ظهر بطلان قول من قال بنسخ الركعتين قبل المغرب بأثر النخعي المذكور، قال الحافظ في الفتح: والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم وهو منقطع، ولو ثبت لم يسكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة (وقال أحمد وإسحاق إن صلاهما فحسن وهذا عندهما على الاستحباب) قال الحافظ في الفتح. إلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث، وقال محمد بن نصر في كتاب قيام الليل، وقال أحمد بن حنبل في الركعتين قبل المغرب أحاديث جياد أو قال صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال إلا أنه قال لمن شاء فمن شاء صلى، قبل له قيل الأذان أم بين الأذان والإقامة فقال بين الأذان والإقامة، ثم قال وإن صلى إذا غربت الشمس وحلت الصلاة أي فهو جائز، قال هذا شيء ينكره الناس وتبسم كالمتعجب ممن ينكر ذلك، وسئل عنهما فقال أنا لا أفعله وإن فعله رجل لم يكن به بأس انتهى ما في قيام الليل. وقال الحافظ في الفتح وذكر الأثرم عن أحمد أنه قال ما فعلتهما إلا مرة واحدة، حتى، سمعت الحديث انتهى. واحتج من قال باستحبابهما بأحاديث صحيحة صريحة. منها: حديث عبد الله بن مغفل المذكور في الباب وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان كما عرفت، ومنها حديث عبد الله بن الزبير الذي أشار إليه الترمذي، ومنها حديث أنس بن مالك وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وتقدم لفظه. ومنها: حديث عقبة بن عامر وتقدم لفظه نقلاً عن قيام الليل وهو حديث صحيح أخرجه البخاري. ومنها: حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين أخرجه ابن حبان في صحيحه وأخرجه محمد بن نصر في القيام الليل بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة لمن شاء خاف أن يحسبها الناس سنة، قال العلامة ابن أحمد المقريزي في مختصر قيام الليل هذا إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد صح في ابن حبان حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قبل المغرب فهذه الأحاديث هي التي احتج بها من قال باستحباب الركعتين قبل المغرب وهو الحق.
186- حدثنا (إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى) الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنَا مالِكُ بنُ أَنس عنْ زَيْدِ بن أَسْلَم عنْ عطَاءِ بن يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بن سَعِيدٍ وَعن الأعْرَج يُحدّثُونَهُ عنْ أَبي هُريْرَةَ: أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ منَ الصّبْحِ رَكْعَةً قبلَ أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ فَقَدْ أَدْركَ الصّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعصْرِ رَكْعةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العصْرَ". وفي البابِ عَنْ عَائِشَةَ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ أَبي هُرَيْرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَبهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا الشّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسحاقُ. وَمَعْنَى هَذَا الْحَديثِ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ الْعُذْرِ، مِثْلُ الرّجُل يَنَامُ عَنِ الصّلاَةِ أَوْ يَنْسَاهَا فيِسْتَيْقِظُ وَيَذْكُرُ عِنْد طُلُوعِ الشّمْسِ وَعنْد غُرُوبِهَا. قوله: (وعن بسر بن سعيد) المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية مات سنة مائة بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز (وعن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبو داود المدني ثقة ثبت عالم من الثالثة (يحدثونه) أي يحدثون زيد بن أسلم. قوله: (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) أي من أدرك من صلاة الصبح ركعة بركوعها وسجودها قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح، والإدراك الوصول إلى الشيء فظاهر أنه يكتفي بذلك وليس بذلك مراداً بالإجماع فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته وهذا قول الجمهور، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة وللنسائي من وجه آخر من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أن يقضي ما فاته، وللبيهقي من وجه آخر من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى. ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة. قوله: (وفي الباب عن عائشة) قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من العصر سجدة قيل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها. رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه قال صاحب المنتقي والسجدة هنا الركعة. قوله: (حديث أبي هريرة حديث صحيح) أخرجه الأئمة الستة. قوله: (وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحاق) فقالوا من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح ولا تبطل بطلوعها كما أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك صلاة العصر ولا تبطل بغروبها وهو الحق، قال النووي قال أبو حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف غروب الشمس، والحديث حجة عليه انتهى، قال القاري في المرقاة بعد ذكر كلام النووي هذا ما لفظه: وجوابه ما ذكره صدر الشريعة أن المذكور في كتب أصول الفقه أن الجزء المقارن للأداء سبب لوجوب الصلاة وآخر وقت العصر وقت ناقص إذ هو وقت عبادة الشمس فوجب ناقصاً فإذا أداه أداه كما وجب، فإذا اعترض الفساد بالغروب لا تفسد والفجر كل وقته وقت كامل لأن الشمس لا تعبد قبل طلوعها فوجب كاملاً فإذا اعترض الفساد بالطلوع تفسد لأنه لم يؤدها كما وجب، فإن قيل هذا تعليل في معرض النص، قلنا لما وقع التعارض بين هذا الحديث وبين النهي الوارد عن الصلاة في الأوقات الثلاثة رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض، والقياس رجح هذا الحديث في صلاة العصر وحديث النهي في صلاة الفجر، وأما سائر الصلوات فلا تجوز في الأوقات الثلاثة المكروهة لحديث النهي فيها انتهى كلام القاري. قلت: ما ذكره صدر الشريعة مردود قد رَدّهُ الفاضل اللكنوي وهو من العلماء الحنفية في حاشيته على شرح الوقاية حيث قال: فيه بحث وهو أن المصير إلى القياس عند تعارض النصين إنما هو إذا لم يمكن الجمع بينهما وأما إذا أمكن يلزم أن يجمع وههنا العمل بكليهما ممكن بأن يخص صلاة العصر والفجر الوقتيتان من عموم حديث النهي ويعمل بعمومه في غيرهما، وبحديث الجواز فيهما إلا أن يقال حديث الجواز خاص وحديث النهي عام، وكلاهما قطعيان عند الحنفية متساويان في الدرجة والقوة فلا يخص أحدهما الاَخر. وفيه أن قطعية العام كالخاص ليس متفقاً عليه بين الحنفية فإن كثيراً منهم وافقوا الشافعية في كون العام ظنياً كما هو مبسوط في شروح المنتخب الحسامي وغيرها انتهى كلامه، وقال في تعليقه على موطأ الإمام محمد: لا مناص عن ورود أن التساقط إنما يتعين عند تعذر الجمع وهو ههنا ممكن بوجوه عديدة لا تخفى على المتأمل انتهى كلامه. قلت: الأمر كما قال، لا ريب في أن الجمع ههنا ممكن فمع إمكانه القول بالتساقط باطل وقد ذكر ذلك الفاضل وجهاً للجمع وهو وجه حسن، ونحن نذكر وجهاً آخر قال الحافظ في الفتح: وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث وهي دعوى تحتاج إلى دليل فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع ههنا ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما سبب له من النوافل، ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ انتهى كلام الحافظ، قال الشوكاني في النيل: وهذا أيضاً جمع بما يوافق مذهب الحافظ، والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص ولا يجوز في ذلك الوقت شيء من الصلوات بدليل يخصه سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها، قال ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركاً للوقت وأن صلاته تكون قضاء وإليه ذهب الجمهور، وقال البعض أداء والحديث يرده، قال واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة كالحائض تطهر والمجنون يعقل والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم دون ركعة من وقتها هل تجب عليه الصلاة أم لا وفيه قولان للشافعي أحدهما لا تجب وروي عن مالك عملاً بمفهوم الحديث وأصحهما عن أصحاب الشافعي أنها تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه أدرك جزءاً من الوقت فاستوى قليله وكثيره، وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد، وأما إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق بينهم ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين. فائدة: إدراك الركعة قبل خروج الوقت لا يخص صلاة الفجر والعصر لما ثبت عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، وهو أعم من حديث الباب، قال الحافظ ويحتمل أن تكون اللام عهدية ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك يعني حديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد انتهى، ويمكن أن يقال إن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص ذلك الحكم بالفجر والعصر وهذا الحديث دل بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك والمنطوق أرجح من المفهوم فيتعين المصير إليه ولأشماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد كذا في النيل. قوله: (ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ عند طلوع الشمس وعند غروبها) قال الحافظ في الفتح: ونقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر انتهى.
187- حدثَنا هنّادٌ حدّثنا أَبو مُعَاوِيَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ حَبيبِ بن أَبي ثَابِتٍ عَنْ سَعيدِ بن جُبَيْرٍ عنِ ابن عبّاسٍ قَالَ: "جَمَعَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظّهْرِ وَالعَصْر، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بالمَدِينَةِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ. قَالَ: فقِيلَ لاِبْنِ عَبّاسٍ: مَا أَرَادَ بذَلِكَ؟ قالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمّتهُ". وفي البابِ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ ابن عبّاسٍ قَدْ رُوِي عنْهُ مِنْ غَيْرِ وجْهٍ: روَاهُ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ وَعبْدُ الله بنُ شَقِيقٍ العُقَيْلِيّ. وَقَدْ رُوِي عن ابْن عَبّاسٍ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ هَذَا. 188- حدثنا أَبو سَلمَةَ يَحْيى بنُ خَلَفٍ البَصْرِيّ حدّثَنا المُعْتَمِرُ بنُ سُليْمانَ عنْ أَبيهِ عَنْ حَنَشٍ عنْ عِكْرَمَةَ عنْ ابن عَبّاسٍ عنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصّلاَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فقَدْ أَتَى بَابا مِنْ أبْوَابِ الْكَبَائرِ". قال أبو عيسى: وَحَنَشٌ هَذَا هُو: (أبو عَلِيّ الرّحَبيّ) وَهُو (حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ) وَهُو ضَعِيفٌ عِنْد أَهْلِ الحَديثِ، ضَعّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ لاَ يُجْمَع بَيْنِ الصّلاَتَيْنِ إِلاّ فِي السّفَرِ أَوْ بِعَرَفَةَ. ورَخّصَ بَعْضُ اهلِ الْعِلْمِ مِنَ التّابِعينَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصلاَتَيْنِ لِلْمَرِيضِ. وَبهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحاقُ. وَقَالَ بَعضُ أَهْل الْعِلْمِ: يَجْمعُ بَيْن الصلاَتَيْنِ في المَطَرِ. وَبهِ يَقُولُ الشّافِعيّ، وَأَحْمدُ، وَإِسْحاقُ. وَلَمْ يَرَ الشّافِعيّ لِلْمرِيضِ أَنْ يَجْمعَ بَيْنَ الصّلاَتيْنِ. قوله: (من غير خوف ولا مطر) الحديث ورد بلفظ من غير خوف ولا سفر وبلفظ من غير خوف ولا مطر. قال الحافظ: واعلم أنه لم يقع مجموعاً بالثلاثة في شيء من كتب الحديث بل المشهور من غير خوف ولا سفر (أراد أن لا تحرج) بصيغة الماضي المعلوم من التحرج (أمته) بالرفع على الفاعلية وفي رواية لمسلم أراد أن لا يحرج أمته وفي رواية أخرى له أراد أن لا يحرج أحداً من أمته، قال ابن سيد الناس قد اختلف في تقييده فروي بالياء المضمومة آخر الحروف وأمته منصوب على أنه مفعوله وروى تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة وضم أمته على أنها فاعلة ومعناه إنما فعل تلك لئلا يشق عليهم ويثقل فقصد إلى التخفيف عنهم. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حين غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك، ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته. قال الحافظ في الفتح وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فجوز والجمع في الحضر للحاجة مطلقاً لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أهل الحديث انتهى، وذهب الجمهور إلى أن الجمع لغير عذر لا يجوز، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة. منها أن الجمع المذكور كان للمرض وقواه النووي، قال الحافظ وفيه نظر لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته. ومنها أن الجمع المذكور كان لعذر المطر، قال النووي وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر. ومنها أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر دخل فصلاها، قال النووي وهذا أيضاً باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء. ومنها أن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخر الظهر لاَخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها، قال النووي هذا احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل. قال الحافظ وهذا الذي ضعفه قد استحسنه القرطبي ورجحه إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، قال الحافظ ويقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع فإما أن يحتمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث فالجمع الصوري أولى انتهى، قال الشوكاني في النيل. ومما يدل على تعين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري، ثم ذكر الشوكاني مؤيدات أخرى للجمع الصوري ودفع إيرادات ترد عليه من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى النيل، وهذا الجواب هو أولى الأجوبة عندي وأقواها وأحسنها فإنه يحصل به التوفيق والجمع بين مفترق الأحاديث والله تعالى أعلم. قوله: (وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا) أي ما يخالف هذا الحديث المذكور ثم رواه بقوله حدثنا أبو سلمة إلخ. قوله: (حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري) الجوباري من شيوخ الترمذي ومسلم وأبي داود وابن ماجه صدوق مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (عن أبيه) سليمان التيمي (عن حنش) بفتح الحاء المهملة والنون لقب حسين بن قيس الرّحبي أبي علي الواسطي وهو متروك كذا في التقريب. قوله: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر) كسفر ومرض (فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) قال المناوي تمسك به الحنفية على منع الجمع في السفر وقال الشافعي السفر عذر انتهى. قلت: قد جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر أحاديث صحيحة صريحة في الصحيحين وغيرهما وحديث ابن عباس هذا ضعيف جداً. قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة حنش بن قيس: حديثه من جمع بين الصلاتين الحديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ولا أصل له، وقد صح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر انتهى. وأما قول الحاكم بعد روايته في المستدرك هذا حديث صحيح، فقد رده الذهبي كما صرح به المناوي، وعلى تقدير صحته فالجواب هو ما قال الشافعي من أن السفر عذر. قوله: (وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره) قال الذهبي في الميزان في ترجمته قال أحمد متروك وقال أبو زرعة وابن معين ضعيف وقال البخاري لا يكتب حديثه وقال النسائي ليس بثقة وقال مرة متروك وقال السعدي أحاديثه منكرة جداً وقال الدارقطني متروك وعد الذهبي حديثه من جمع بين الصلاتين إلخ من منكراته. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة) قال الترمذي في آخر كتابه في كتاب العلل ما لفظه: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه انتهى. قال النووي في شرح مسلم: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه، وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال ثم ذكر تلك الأقوال، وقد مرت في كلام الحافظ. وقال صاحب دراسات اللبيب: هذا القول منه أي من الترمذي غريب جداً. وجه الغرابة أنّا قدمنا أن عدم الأخذ بالحديث ممن ينسب إليه ذلك إنما يتحقق إذا لم يجب عن ذلك الحديث ولم يحمله على محمل، وأما إذا فعل ذلك فقد أخذ به، وهذا الحديث يعني حديث ابن عباس كثرت في تأويله أقوال العلماء ومذاهبهم فيه، ومع هذه التأويلات والمذاهب فيه وإن كانت بعضها بعيدة كيف يطلق عليه أنه لم يعمل به أحد من العلماء، وإن أراد الترمذي أنه لم يعمل بظاهره من غير تأويل أحد من العلماء فيبطل قوله كل حديث في كتابي هذا معمول به ما خلا حديثين فإن كل حديث في كتابه ليس مما لم يؤول أصلاً وعمل بظاهره، على أن هذا الحديث عمل بظاهره جماعة من العلماء. ثم ذكر قول النووي: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر انتهى كلامه. قلت: الأمر كما قال صاحب الدراسات. قوله: (ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض وبه يقول أحمد وإسحاق) وقال عطاء يجمع المريض بين المغرب والعشاء كذا في صحيح البخاري معلقاً. ووصله عبد الرزاق قال الحافظ في الفتح: وصله عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه قال: واختلف العلماء في المريض هل يجوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أولاً فجوزه أحمد وإسحاق واختاره بعض الشافعية، وجوزه مالك بشرطه والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع ولم أر في المسألة نقلاً عن أحد من الصحابة انتهى كلام الحافظ. وقال العيني في عمدة القاري: قال عياض الجمع بين الصلوات المشتركة في الأوقات تكون تارة سنة وتارة رخصة، فالسنة الجمع بعرفة والمزدلفة، وأما الرخصة فالجمع في السفر والمرض والمطر فمن تمسك بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه الصلاة والسلام وقد أمه فلم ير الجمع في ذلك، ومن خصه أثبت جواز الجمع في السفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه فنقول: إذا أبيح للمسافر الجمع بمشقة السفر فأحرى أن يباح للمريض. وقد قرن الله تعالى المريض بالمسافر في الترخيص له في الفطر والتيمم، وأما الجمع في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء وعنه قولة شاذة أنه لا يجمع إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المطر انتهى ما في العمدة (وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ ابن تيمية في النتقى في باب جمع المقيم لمطر أو لغيره بعد ذكر حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء ما لفظه: قلت وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر والخوف وللمرض وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للاجماع ولأخبار المواقيت فنبقي فحواه على مقتضاه، وقد صح الجمع للمستحاضة والاستحاضة نوع مرض. ولمالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم، وللأثرم في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء انتهى كلام ابن تيمية. قلت أثر أبي سلمة بن عبد الرحمن هذا سكت عنه ابن تيمية والشوكاني ولم أقف على سنده فالله أعلم بحاله كيف هو صحيح أو ضعيف، وقد أثبت الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين جواز الجمع بين الصلاتين لأصحاب الأعذار وبسط فيه من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه. فإن قيل: كيف جوزوا الجمع بين الصلاتين لعذر المرض والمطر وقد قال الإمام محمد في موطئه: بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه كتب في الاَفاق ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر. قال أخبرنا بذلك الثقات عن العلاء بن الحارث عن مكحول انتهى فقول عمر هذا بإطلاقه يدل على أن الجمع بين الصلاتين مطلقاً كبيرة من الكبائر. سواء كان من عذر أو من غير عذر. فالجواب من قبل المجوزين أن المراد بالجمع في قول عمر المذكور الجمع من غير عذر يدل عليه ما أخرجه الحاكم عن أبي العالية عن عمر قال جمع الصلاتين من غير عذر من الكبائر. قال وأبو العالية لم يسمع من عمر. ثم أسند عن أبي قتادة أن عمر كتب إلى عامل لا ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين من غير عذر والفرار من الزحف الحديث. قال وأبو قتادة أدرك عمر فإذا انضم هذا إلى الأول صار قوياً، قالوا فقول عمر هذا لا يضرنا فإنه يدل على المنع من الجمع من غير عذر والعذر قد يكون بالسفر وقد يكون بالمطر وبغير ذلك، ونحن نقول به وقالوا أيضاً من عرض له عذر يجوز له الجمع إذا أراد ذلك، وأما إذا لم يكن له ذلك ولم يرد الجمع بل ترك الصلاة عمداً إلى أن دخل وقت الأخرى فهو آثم بلا ريب.
|