الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
إذا أقر الراهن بالوطء لم يخل من ثلاثة أحوال أحدها, أن يقر به حال العقد أو قبل لزومه فحكم هذين واحد, ولا يمنع ذلك صحة العقد لأن الأصل عدم الحمل فإن بانت حائلا أو حاملا بولد لا يلحق بالراهن, فالرهن بحاله وكذلك إن كان يلحق به لكن لا تصير به أم ولد, مثل إن وطئها وهي زوجته ثم ملكها ورهنها وإن بانت حاملا بولد تصير به أم ولد بطل الرهن, ولا خيار للمرتهن وإن كان مشروطا في بيع لأنه دخل مع العلم بأنها قد لا تكون رهنا فإذا خرجت من الرهن بذلك السبب الذي علمه, لم يكن له خيار كالمريض إذا مات والجاني إذا اقتص منه وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم: له الخيار لأن الوطء نفسه لا يثبت الخيار, فلم يكن رضاه به رضي بالحمل الذي يحدث منه بخلاف الجناية والمرض ولنا أن إذنه في الوطء إذن فيما يئول إليه, كذلك رضاه به رضي بما يئوله إليه الحال الثالث أقر بالوطء بعد لزوم الرهن فإنه يقبل في حقه, ولا يقبل في حق المرتهن لأنه أقر بما يفسخ عقدا لازما لغيره فلم يقبل كما لو أقر بذلك بعد بيعها ويحتمل أن يقبل لأنه أقر في ملكه بما لا تهمة فيه, لأنه يستضر بذلك أكثر من نفعه بخروجها من الرهن والأول أصح لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل وهكذا الحكم فيما إذا أقر بأنه غصبها أو أنها كانت جنت جناية تعلق أرشها برقبتها وللشافعي في ذلك قولان وإن أقر أنه أعتقها, صح إقراره وخرجت من الرهن وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يقبل بناء على أنه لا يصح إعتاقه للرهن ولنا أنه لو أعتقه لنفذ عتقه, فقبل إقراره بعتقه كغير الرهن ولأن إقراره بعتقه يجري مجرى عتقه, فأشبه ما لو قال: أنت حر ويتخرج أن لا ينفذ إقرار المعسر بناء على أنه لا ينفذ إعتاقه وكل موضع قلنا: القول قول الراهن فقال القاضي: ذلك مع يمينه لأن كذبه محتمل ويحتمل أن لا يستحلف لأنه لو رجع عن إقراره, لم يقبل فلا فائدة في استحلافه واختلف أصحاب الشافعي في استحلافه على نحو الوجهين والصحيح عندي أنه إذا أقر بالعتق لم يستحلف لأن ذلك جرى مجرى قوله: أنت حر فلم يحتج إلى يمين, كما لو صرح به وإن أقر بالغصب والجناية فإنه إن لم يدع ذلك المغصوب منه والمجني عليه لم يلتفت إلى قول الراهن, وجها واحدا وإن ادعياه فاليمين عليهما لأن الحق لهما, ورجوعهما عنه مقبول فكانت اليمين عليهما كسائر الدعاوى وإن أقر باستيلاد أمته, فعليه اليمين لأن نفعها عائد إليه من حل استمتاعها وملك خدمتها فكانت اليمين عليه, بخلاف ما قبلها وإن قلنا: القول قول المرتهن فعليه اليمين بكل حال لأنه لو اعترف ثبت الحق في الرهن ويمينه على نفي العلم لأنها على نفي فعل الغير, فإذا حلف سقطت الدعوى بالنسبة إليه وبقي حكمها في حق الراهن, بحيث لو عاد إليه الرهن ظهر فيه حكم إقراره وإن أراد المجني عليه أو المغصوب منه, أن يغرماه في الحال فلهما ذلك لأنه منع من استيفاء الجناية بتصرفه فلزمه أرشها, كما لو قتله. ولا يحل للمرتهن وطء الجارية المرهونة إجماعا لقول الله تعالى:
قال: وإذا جنى العبد المرهون فالمجني عليه أحق برقبته من مرتهنه, حتى يستوفي حقه فإن اختار سيده أن يفديه وفعل فهو رهن بحاله وجملته أن العبد المرهون إذا جنى على إنسان, أو على ماله تعلقت الجناية برقبته فكانت مقدمة على حق المرتهن لا نعلم في هذا خلافا وذلك لأن الجناية مقدمة على حق المالك, والملك أقوى من الرهن فأولى أن يقدم على الرهن فإن قيل: فحق المرتهن أيضا يقدم على حق المالك قلنا: حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده وحق الجناية ثبت بغير اختياره مقدما على حقه, فيقدم على ما ثبت بعقده ولأن حق الجناية مختص بالعين يسقط بفواتها, وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ولا يختص بها فكان تعلقه بها أخف وأدنى, فإن كانت جنايته موجبة للقصاص فلولي الجناية استيفاؤه فإن اقتص سقط الرهن, كما لو تلف وإن عفا على مال تعلق برقبة العبد وصار كالجناية الموجبة للمال, فيقال للسيد: أنت مخير بين فدائه وبين تسليمه للبيع فإن اختار فداءه فبكم يفديه؟ على روايتين إحداهما بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه إن كان الأرش أقل, فالمجني عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته وإن كانت القيمة أقل فلا يلزمه أكثر منها, لأن ما يدفعه عوض عن العبد فلا يلزم أكثر من قيمته كما لو أتلفه والثانية, يفديه بأرش جنايته بالغا ما بلغ لأنه ربما يرغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته فإذا فداه فهو رهن بحاله لأن حق المرتهن قائم لوجود سببه, وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حكم الرهن كحق من لا رهن له مع حق المرتهن في تركة مفلس, إذا أسقط المرتهن حقه ظهر حكم الآخر فإن امتنع قيل للمرتهن: أنت مخير بين فدائه وبين تسليمه فإن اختار فداءه فبكم يفديه؟ على الروايتين فإن فداه بإذن الراهن, رجع به عليه لأنه أدى الحق عنه بإذنه فرجع به كما لو قضى دينه بإذنه, وإن فداه متبرعا لم يرجع بشيء وإن نوى الرجوع فهل يرجع بذلك؟ على وجهين, بناء على ما لو قضى دينه بغير إذنه وإن زاد في الفداء على الواجب لم يرجع به وجها واحدا ومذهب الشافعي كما ذكرنا في هذا الفصل, إلا أنه لا يرجع بما فداه به بغير إذنه قولا واحدا وإن شرط له الراهن الرجوع رجع, قولا واحدا وإن قضاه بإذنه من غير شرط الرجوع ففيه وجهان وهذا أصل يذكر في غير هذا الموضع فإن فداه, وشرط أن يكن رهنا بالفداء مع الدين الأول فقال القاضي: يجوز ذلك لأن المجني عليه يملك بيع العبد وإبطال الرهن, فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه والزيادة في دين الرهن قبل لزومه جائزة ولأن أرش الجناية متعلق به, وإنما ينتقل من الجناية إلى الرهن ويحتمل أن لا يصح لأن العبد رهن بدين فلا يجوز رهنه ثانيا بدين سواه كما لو رهنه بدين سوى هذا وذهب أبو حنيفة إلى أن ضمان جناية الرهن على المرتهن, فإن فداه لم يرجع بالفداء وإن فداه الراهن أو بيع في الجناية سقط دين الرهن إن كان بقدر الفداء وبناء على أصله في أن الرهن من ضمان المرتهن وهذا يأتى الكلام عليه, -إن شاء الله تعالى- وإذا لم يفد الجاني فبيع في الجناية التي تستغرق قيمته بطل الرهن وإن لم تستغرقها, بيع منه بقدر أرش الجناية وباقيه رهن إلا أن يتعذر بيع بعضه, فيباع الكل ويجعل بقية الثمن رهنا وقال أبو الخطاب: هل يباع منه بقدر الجناية أم يباع جميعه, ويكون الفاضل من ثمنه عن أرش جنايته رهنا؟ على وجهين. وإن كانت الجناية على سيد العبد فلا يخلو من حالين وإن جنى العبد المرهون على عبد لسيده, لم يخل من حالين فإن كانت الجناية على موروث سيده فيما دون النفس كأطرافه أو ماله فهي كالجناية على أجنبي, وله القصاص إن كانت موجبة له والعفو على مال غيره وإن كانت موجبة للمال ابتداء, ثبت فإن انتقل ذلك إلى السيد بموت المستحق فله ما لمورثه من القصاص والعفو على مال, لأن الاستدامة أقوى من الابتداء فجاز أن يثبت بها ما لا يثبت في الابتداء وإن كانت الجناية على نفسه بالقتل, ثبت الحكم لسيده وله أن يقتص فيما يوجب القصاص وإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال ابتداء, فهل يثبت للسيد؟ فيه وجهان أحدهما يثبت وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن الجناية على غيره فأشبهت الجناية على ما دون النفس والثاني, لا يثبت له ماله في عبده ولا له العفو عليه وهو قول أبي ثور لأنه حق ثبت للسيد ابتداء فلم يكن له ذلك, كما لو كانت الجناية عليه وأصل الوجهين وجوب الحق في ابتدائه هل يثبت للقتيل ثم ينتقل إلى وارثه أو يثبت للوارث ابتداء؟ على وجهين وكل موضع يثبت له المال في رقبة عبده, فإنه يقدم على الرهن لأنه يثبت للموروث كذلك فينتقل إلى وارثه كذلك وإن اقتص في هذه الصورة لم يلزمه بدل الرهن لأنه إذا قدم المال على حق المرتهن, فالقصاص أولى ولأن القصاص يثبت للموروث مقدما على حق المرتهن فكذلك في حق وارثه. وإن كانت الجناية على مكاتب السيد, فهي كالجناية على ولده وتعجيزه كموت ولده فيما ذكرنا والله أعلم. فإن جنى العبد المرهون بإذن سيده, وكان ممن يعلم تحريم الجناية وأنه لا يجب عليه قبول ذلك من سيده فهي كالجناية بغير إذنه, وإن كان أعجميا أو صبيا لا يعلم ذلك فالسيد هو القاتل, والقصاص والدية متعلقان به لا يباع العبد فيها موسرا كان السيد أو معسرا كما لو باشر السيد القتل وذكر القاضي وجها آخر, أن العبد يباع إذا كان السيد معسرا لأنه باشر الجناية والصحيح الأول لأن العبد آلة فلو تعلقت الجناية به بيع فيها وإن كان السيد موسرا وحكم إقرار العبد بالجناية, حكم إقرار العبد غير المرهون على ما مضى بيانه في موضعه. قال: وإن جرح العبد المرهون أو قتل, فالخصم في ذلك سيده وما قبض بسبب ذلك من شيء فهو رهن وجملته أنه إذا جنى على الرهن فالخصم في ذلك سيده لأنه مالكه, والأرش الواجب بالجناية ملكه وإنما للمرتهن فيه حق الوثيقة فصار كالعبد المستأجر والمودع, وبهذا قال الشافعي وغيره فإن ترك المطالبة أو أخرها أو كان غائبا, أو له عذر يمنعه منها فللمرتهن المطالبة بها لأن حقه متعلق بموجبها فكان له الطلب به, كما لو كان الجاني سيده ثم إن كانت الجناية موجبة للقصاص فللسيد القصاص لأنه حق له وإنما يثبت ليستوفى, فإن اقتص أخذت منه قيمة أقلهما قيمة فجعلت مكانه رهنا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهذا قول إسحاق ويتخرج أن لا يجب عليه شيء وهو مذهب الشافعي لأنه لم يجب بالجناية مال, ولا استحق بحال وليس على الراهن أن يسعى للمرتهن في اكتساب مال ولنا أنه أتلف مالا استحق بسبب إتلاف الرهن, فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال وهكذا الحكم فيما إذا ثبت القصاص للسيد في عبده المرهون, وإنما أوجبنا أقل القيمتين لأن حق المرتهن إنما يتعلق بالمالية والواجب من المال هو أقل القيمتين, لأن الرهن إن كان أقل لم يجب أكثر من قيمته وإن كان الجاني أقل لم يجب أكثر من قيمته وإن عفا على مال صح عفوه, ووجب أقل القيمتين لما ذكرنا هذا إذا كان القصاص قتلا وإن كان جرحا أو قلع سن ونحوه, فالواجب بالعفو أقل الأمرين من أرش الجرح أو قيمة الجاني وإن عفا مطلقا أو على غير مال, انبنى ذلك على موجب العمد ما هو؟ فإن قلنا: موجبه أحد شيئين ثبت المال وإن قلنا: موجبه القصاص عينا فحكمه حكم ما لو اقتص إن قلنا ثم: يجب قيمته على الراهن وجب ها هنا وهو اختيار أبي الخطاب لأنه فوت بدل الرهن بفعله أشبه ما لو اقتص وإن قلنا: لا يجب على الراهن شيء ثم لم يجب ها هنا شيء وهو قول القاضي, ومذهب الشافعي لأنه اكتساب مال فلا يجبر عليه وأما إن كانت الجناية موجبة للمال أو ثبت المال بالعفو عن الجناية الموجبة للقصاص, فإنه يتعلق به حق الراهن والمرتهن ويكون من غالب نقد البلد كقيم المتلفات, فلو أراد الراهن أن يصالح عنها أو يأخذ حيوانا عنها لم يجز إلا بإذن المرتهن, فإن أذن فيه جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما وما قبض من شيء فهو رهن بدلا عن الأول, نائبا عنه وقائما مقامه فإن عفا الراهن عن المال, فقال القاضي: يسقط حق الراهن دون حق المرتهن فتؤخذ القيمة تكن رهنا فإذا زال الرهن رجع الأرش إلى الجاني, كما لو أقر أن الرهن مغصوب أو جان وإن استوفى الدين من الأرش احتمل أن يرجع الجاني على العافي لأن ماله ذهب في قضاء دينه فلزمته غرامته, كما لو غصبه أو استعاره فرهنه واحتمل أن لا يرجع عليه لأنه لم يوجد منه في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان وإنما استوفى بسبب كان منه حال ملكه, فأشبه ما لو جنى إنسان على عبده ثم وهبه لغيره فتلف بالجناية السابقة وقال أبو الخطاب: يصح العفو مطلقا ويؤخذ من الراهن قيمته تكون رهنا لأنه أسقط دينه عن غريمه, فصح كسائر ديونه قال: ولا يمكن كونه رهنا مع عدم حق الراهن فيه فلزمته القيمة, لتفويته حق المرتهن فأشبه ما لو تلف بدل الرهن وقال الشافعي لا يصح العفو أصلا لأن حق المرتهن متعلق به فلم يصح عفو الراهن عنه كالرهن نفسه, وكما لو وهب الرهن أو غصب فعفي عن غاصبه وهذا أصح في النظر وإن قال المرتهن: أسقطت حقى من ذلك سقط لأنه ينفع الراهن ولا يضره وإن قال: أسقطت الأرش أو: أبرأت منه لم يسقط لأنه ملك للراهن, فلا يسقط بإسقاط غيره وهل يسقط حقه؟ فيه وجهان أحدهما يسقط وهو قول القاضي لأن ذلك يتضمن إسقاط حقه فإذا لم يسقط حق غيره سقط حقه, كما لو قال: أسقطت حقى وحق الراهن والثاني: لا يسقط لأن العفو والإبراء منه لا يصح فلم يصح ما تضمنه. وإذا أقر رجل بالجناية على الرهن فكذباه فلا شيء لهما وإن كذبه المرتهن, وصدقه الراهن فله الأرش ولا حق للمرتهن فيه, فإن صدقه المرتهن وحده تعلق حقه بالأرش وله قبضه فإذا قضى الراهن الحق, أو أبرأه المرتهن رجع الأرش إلى الجاني ولا شيء للراهن فيه وإن استوفى حقه من الأرش, لم يملك الجاني مطالبة الراهن بشيء لأنه مقر له باستحقاقه. ولو كان الرهن أمة حاملا فضرب بطنها أجنبي فألقت جنينا ميتا, ففيه عشر قيمة أمه وإن ألقته حيا ثم مات لوقت يعيش مثله ففيه قيمته ولا يجب ضمان نقص الولادة لأنه لا يتميز نقصها عما وجب ضمانه من ولدها ويحتمل أن يضمن نقصها بالولادة لأنه حصل بفعله فلزمه ضمانه, كما لو غصبها ثم جنى عليها ويحتمل أن يجب أكثر الأمرين من نقصها أو ضمان جنينها لأن سبب ضمانها وجد فإذا لم يجتمع ضمانهما, وجب ضمان أكثرهما وإن ضرب بطن بهيمة فألقت ولدها ميتا ففيه ما نقصتها الجناية لا غير, وما وجب من ذلك كله فهو رهن مع الأم وقال الشافعي ما وجب لنقص الأم أو لنقص البهيمة فهو رهن معها, وكذلك ما وجب في ولدها وما وجب في جنين الأمة فليس برهن لأن نماء الرهن ليس برهن ولنا أن هذا ضمان يجب بسبب الجناية على الرهن فكان من الرهن, كالواجب لنقص الولادة وضمان ولد البهيمة وقولهم: إن نماء الرهن لا يدخل في الرهن غير مسلم. قال: وإذا اشترى منه سلعة على أن يرهنه بها شيئا من ماله يعرفانه أو على أن يعطيه بالثمن حميلا يعرفانه, فالبيع جائز فإن أبى تسليم الرهن أو أبى الحميل أن يتحمل فالبائع مخير في فسخ البيع, وفي إقامته بلا رهن ولا حميل الحميل: الضمين وهو فعيل بمعنى فاعل يقال: ضمين وحميل, وقبيل وكفيل وزعيم, وصبير بمعنى واحد وجملة ذلك أن البيع بشرط الرهن أو الضمين صحيح والشرط صحيح أيضا لأنه من مصلحة العقد, غير مناف لمقتضاه ولا نعلم في صحته خلافا إذا كان معلوما ولذلك قال الخرقي يعرفانه في الرهن والضمين معا ومعرفة الرهن تحصل بأحد شيئين المشاهدة, أو الصفة التي يعلم بها الموصوف كما في السلم ويتعين بالقبض وأما الضمين فيعلم بالإشارة إليه أو تعريفه بالاسم والنسب, ولا يصح بالصفة بأن يقول: رجل غنى من غير تعيين لأن الصفة لا تأتى عليه ولو قال: بشرط رهن أو ضمين كان فاسدا لأن ذلك يختلف وليس له عرف ينصرف إليه بإطلاق ولو قال: بشرط رهن أحد هذين العبدين أو: يضمننى أحد هذين الرجلين لم يصح لأن الغرض يختلف فلم يصح مع عدم التعيين كالبيع وهذا مذهب الشافعي وحكى عن مالك وأبي ثور أنه يصح شرط الرهن المجهول, ويلزمه أن يدفع إليه رهنا بقدر الدين لأنه وثيقة فجاز شرطها مطلقا كالشهادة وقال أبو حنيفة إذا قال: على أن أرهنك أحد هذين العبدين جاز لأن بيعه جائز عنده ولنا, أنه شرط رهنا مجهولا فلم يصح كما لو شرط رهن ما في كمه, ولأنه عقد يختلف فيه المعقود عليه فلم يصح مع الجهل كالبيع, وفارق الشهادة فإن لها عرفا في الشرع حملت عليه والكلام مع أبي حنيفة قد مضى في البيع, فإن الخلاف فيهما واحد إذا ثبت هذا فإن المشترى إن وفي بالشرط فسلم الرهن أو حمل عنه الحميل, لزم البيع وإن أبى تسليم الرهن أو أبى الحميل أن يتحمل عنه, فللبائع الخيار بين فسخ البيع وبين إمضائه والرضا به بلا رهن ولا حميل فإن رضي به لزمه البيع وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا يلزم المشترى تسليم الرهن وقال مالك وأبو ثور: يلزم الرهن إذا كان مشروطا في عقد البيع ويجبر عليه المشترى وإن وجده الحاكم دفعه إلى البائع لأن عقد البيع وقع عليه فأشبه الخيار وقال القاضي: ما عدا المكيل والموزون يلزم فيه الرهن بمجرد العقد وقد مضى الكلام معه في أول الباب ولأنه رهن, فلم يلزم قبل القبض كما لو لم يكن مشروطا في البيع أو كغير المكيل والموزون, وإنما لزم الخيار والأجل بالشرط لأنه من توابع البيع لا ينفرد بنفسه, والرهن عقد منفرد بنفسه ليس من التوابع ولأن الخيار والأجل يثبت بالقول ولا يفتقر إلى تسليم, فاكتفى في ثبوته بمجرد القول بخلاف الرهن وأما الضمين فلا خلاف في أنه لا يلزمه الضمان, إذ لا يلزمه شغل ذمته وأداء دين غيره باشتراط غيره ولو وعده بأنه يضمن ثم لم يفعل لم يلزم في الحكم, كما لو وعده أنه يبيعه ثم أبى ذلك ومتى لم يف المشترى للبائع بشرطه كان له الفسخ, كما لو شرط صفة في الثمن فلم يف بها ولأنه أحد المتعاقدين, فإذا لم يف بما شرط في العقد ثبت الخيار لصاحبه كالبائع إذا شرط المبيع على صفة, فبان بخلافها. ولو شرط رهنا أو ضمينا معينا فجاء بغيرهما, لم يلزم البائع قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط مثل أن يأتى بأكثر قيمة من المشروط, وحميل أوثق من المعين لأنه عقد على معين فلم يلزمه قبول غيره كالبيع, ولأن الغرض يختلف بالأعيان فمنها ما يسهل بيعه والاستيفاء من ثمنه ومنها ما هو أقل مؤنة وأسهل حفظا, وبعض الذمم أملأ من بعض وأسهل إيفاء فلا يلزمه قبول غير ما عينه, كسائر العقود. وإن تعيب الرهن أو استحال العصير خمرا قبل قبضه فللبائع الخيار بين قبضه معيبا, ورضاه بلا رهن فيما إذا تخمر العصير وبين فسخ البيع ورد الرهن وإن علم بالعيب بعد قبضه فكذلك وليس له مع إمساكه أرش من أجل العيب لأن الرهن إنما لزم فيما حصل قبضه, وهو الموجود والجزء الفائت لم يلزم تسليمه فلم يلزم الأرش بدلا عنه, بخلاف المبيع وإن تلف أو تعيب بعد القبض فلا خيار للبائع وإن اختلفا في زمن حدوث العيب وهو مما لا يحتمل إلا قول أحدهما, فالقول قوله من غير يمين لأن اليمين إنما تراد لدفع الاحتمال وهذا لا يحتمل وإن احتمل قوليهما معا انبنى على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب في المبيع, وفيه روايتان فيكون فيه ها هنا وجهان أحدهما القول قول الراهن وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الأصل صحة العقد ولزومه والآخر, القول قول المرتهن وهو قياس قول الخرقي لقوله مثل ذلك في البيع لأنهما اختلفا في قبض المرتهن للجزء الفائت, فكان القول قوله كما لو اختلفا في قبض جزء منفصل منه وإن اختلفا في زمن التلف فقال الراهن: بعد القبض وقال المرتهن: قبله فالقول قوله لأنه منكر للقبض وإن كان الرهن عصيرا فاستحال خمرا, واختلفا في زمن استحالته فالقول قول الراهن نص عليه أحمد وقال القاضي: يخرج فيه رواية أخرى أن القول قول المرتهن, كالاختلاف في البيع وهو قول أبي حنيفة لأن الأصل عدم القبض كما لو اختلفا في زمن التلف ولنا أنهما اتفقا على العقد والقبض, واختلفا فيما يفسد به فكان القول قول من ينفيه كما لو اختلفا في شرط فاسد, ويفارق اختلافهما في حدوث العيب من وجهين أحدهما أنهما اتفقا على القبض ها هنا وثم اختلفا في قبض الجزء الفائت الثاني, أنهما اختلفا هنا فيما يفسد العقد والعيب بخلافه. ولو وجد بالرهن عيبا بعد أن حدث عنده عيب آخر فله رده وفسخ البيع لأن العيب الحادث في ملك الراهن لا يلزم المرتهن ضمانه, بخلاف المبيع وخرجه القاضي على روايتين بناء على البيع فعلى قوله: لا يملك الرد لا يملك الفسخ والصحيح ما ذكرناه وإن هلك الرهن في يد المرتهن, ثم علم أنه كان معيبا لم يملك فسخ البيع لأنه تعذر عليه رده فإن قيل: فالرهن غير مضمون ولهذا لا يمنع رده بحدوث العيب فيه, قلنا: إنما تضمن قيمته لأن العقد لم يقع على ملكه وإنما وقع على الوثيقة, فهو مضمون بالوثيقة أما إذا تعيب فقد رده فيستحق بدل ما رده, وهاهنا لم يرد شيئا فلو أوجبنا له بدله لأوجبنا على الراهن غير ما شرط على نفسه. ولو لم يشترطا رهنا في البيع, فتطوع المشترى برهن وقبضه البائع كان حكمه حكم الرهن المشروط في البيع, ولا ينفك شيء منه حتى يقضى جميع الدين ولا يملك الراهن انتزاعه ولا التصرف فيه, إلا بإذن المرتهن إلا أنه إذا رده بعيب أو غيره لم يملك فسخ البيع. وإذا تبايعا بشرط أن يكون المبيع رهنا على ثمنه, لم يصح قاله ابن حامد وهو قول الشافعي لأن المبيع حين شرط رهنه لم يكن ملكا له وسواء شرط أنه يقبضه ثم يرهنه أو شرط رهنه قبل قبضه, وروى عن أحمد أنه قال: إذا حبس المبيع ببقية الثمن فهو غاصب, ولا يكون رهنا إلا أن يكون شرطا عليه في نفس البيع وهذا يدل على صحة الشرط لأنه يجوز بيعه فجاز رهنه وقال القاضي: معنى هذه الرواية أنه شرط عليه في نفس البيع رهنا غير المبيع, فيكون له حبس المبيع حتى يقبض الرهن وإن لم يف به فسخ البيع فأما شرط رهن المبيع بعينه على ثمنه فلا يصح لوجوه, منها أنه غير مملوك له ومنها أن البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع والرهن يقتضي الوفاء منه ومنها أن البيع يقتضي تسليم المبيع أولا ورهن المبيع يقتضي أن لا يسلمه حتى يقبض الثمن ومنها أن البيع يقتضي أن يكون إمساك المبيع مضمونا والرهن يقتضي أن لا يكون مضمونا, وهذا يوجب تناقض أحكامهما وظاهر الرواية صحة رهنه وقولهم: إنه غير مملوك قلنا إنما شرط رهنه بعد ملكه وقولهم البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع غير صحيح إنما يقتضي وفاء الثمن مطلقا ولو تعذر وفاء الثمن من غير المبيع لاستوفى من ثمنه وقولهم: البيع يقتضي تسليم المبيع قبل تسليم الثمن ممنوع وإن سلم فلا يمتنع أن يثبت بالشرط خلافه كما أن مقتضى البيع حلول الثمن ووجوب تسليمه في الحال, ولو شرط التأجيل جاز وكذلك مقتضى البيع ثبوت الملك في المبيع والتمكين من التصرف فيه, وينتفى بشرط الخيار وهذا هو الجواب عن الوجه الثالث والرابع فأما إن لم يشترط ذلك في البيع لكن رهنه عنده بعد البيع, فإن كان بعد لزوم البيع فالأولى صحته لأنه يصح رهنه عند غيره فصح عنده كغيره, ولأنه يصح رهنه على غير ثمنه فصح رهنه على ثمنه وإن كان قبل لزوم البيع انبنى على جواز التصرف في المبيع, ففي كل موضع جاز التصرف فيه جاز رهنه وما لا فلا لأنه نوع تصرف فأشبه بيعه. وإذا شرط في البيع رهنا فاسدا كالمحرم, والمجهول والمعدوم وما لا يقدر على تسليمه, أو غير المعين أو شرط رهن المبيع على ثمنه ففي فساد البيع روايتان, مضى توجيههما في الشروط الفاسدة في البيع واختار أبو الخطاب ها هنا فساد البيع وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقد مضى ذكر ذلك. والشروط في الرهن تنقسم قسمين صحيحا وفاسدا فالصحيح مثل أن يشترط كونه على يد عدل عينه, أو عدلين أو أكثر أو أن يبيعه العدل عند حلول الحق ولا نعلم في صحة هذا خلافا, وإن شرط أن يبيعه المرتهن صح وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي: لا يصح لأنه توكيل فيما يتنافى فيه الغرضان فلم يصح, كما لو وكله في بيعه من نفسه ووجه التنافي أن الراهن يريد الصبر على المبيع والاحتياط في توفير الثمن والمرتهن يريد تعجيل الحق, وإنجاز البيع ولنا أن ما جاز توكيل غير المرتهن فيه جاز توكيل المرتهن فيه, كبيع عين أخرى ولأن من جاز أن يشترط له الإمساك جاز اشتراط البيع له, كالعدل ولا يضر اختلاف الغرضين إذا كان غرض المرتهن مستحقا له, وهو استيفاء الثمن عند حلول الحق وإنجاز البيع وعلى أن الراهن إذا وكله مع العلم بغرضه فقد سمح له بذلك, والحق له فلا يمنع من السماحة به كما لو وكل فاسقا في بيع ماله وقبض ثمنه ولا نسلم أنه لا يجوز توكيله في بيع شيء من نفسه, وإن سلمنا فلأن الشخص الواحد يكون بائعا مشتريا وموجبا, قابلا وقابضا من نفسه لنفسه بخلاف مسألتنا. وإذا رهنه أمة فشرط كونها عند امرأة, أو ذى محرم لها أو كونها في يد المرتهن أو أجنبي على وجه لا يفضي إلى الخلوة بها, مثل أن يكون لهما زوجات أو سرارى أو نساء من محارمهما معهما في دارهما, جاز لأنه لا يفضي إلى محرم وإن لم يكن كذلك فسد الشرط لأنه يفضي إلى الخلوة المحرمة ولا يؤمن عليها ولا يفسد الرهن لأنه لا يعود إلى نقص, ولا ضرر في حق المتعاقدين ويكون الحكم فيه كما لو رهنها من غير شرط يصح الرهن, ويجعلها الحاكم على يد من يجوز أن تكون عنده وإن كان الرهن عبدا فشرط موضعه جاز, وإن لم يشترط موضعه صح أيضا كالأمة ويحتمل أن لا يصح لأن للأمة عرفا, بخلاف العبد والأول أصح فإن الأمة إذا كان المرتهن ممن يجوز وضعها عنده كالعبد وإذا كان مرتهن العبد امرأة لا زوج لها, فشرطت كونه عندها على وجه يفضي إلى خلوته بها لم يجز أيضا فاستويا. والقسم الثاني, الشروط الفاسدة مثل أن يشترط ما ينافي مقتضى الرهن نحو أن يشترط ألا يباع الرهن عند حلول الحق أو لا يستوفى الدين من ثمنه, أو لا يباع ما خيف تلفه أو بيع الرهن بأى ثمن كان أو أن لا يبيعه إلا بما يرضيه فهذه شروط فاسدة لمنافاتها مقتضى العقد, فإن المقصود مع الوفاء بهذه الشروط مفقود وكذلك إن شرط الخيار للراهن أو أن لا يكون العقد لازما في حقه أو توقيت الرهن, أو أن يكون رهنا يوما ويوما لا أو كون الرهن في يد الراهن أو أن ينتفع به, أو ينتفع به المرتهن أو كونه مضمونا على المرتهن أو العدل فهذه كلها فاسدة, لأن منها ما ينافي مقتضى العقد ومنها ما لا يقتضيه العقد ولا هو من مصلحته وإن شرطا شيئا منها في عقد الرهن, فقال القاضي: يحتمل أن يفسد الرهن بها بكل حال لأن العاقد إنما بذل ملكه بهذا الشرط فإذا لم يسلم له لم يصح العقد, لعدم الرضى به بدونه وقيل: إن شرط الرهن مؤقتا أو رهنه يوما ويوما لا فسد الرهن وهل يفسد بسائرها؟ على وجهين, بناء على الشروط الفاسدة في البيع ونصر أبو الخطاب في " رءوس المسائل " صحته وبه قال أبو حنيفة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (( لا يغلق الرهن )) وهو مشروط فيه شرط فاسد ولم يحكم بفساده وقيل: ما ينقص حق المرتهن يبطله, وجها واحدا وما لا فعلى وجهين وهذا مذهب الشافعي لأن المرتهن شرطت له زيادة لم تصح له, فإذا فسدت الزيادة لم يبطل أصل الرهن. وإن شرط أنه متى حل الحق ولم يوفنى فالرهن لي بالدين أو: فهو مبيع لي بالدين الذي عليك فهو شرط فاسد روى ذلك عن ابن عمر وشريح والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحدا خالفهم والأصل في ذلك ما روى معاوية بن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( لا يغلق الرهن )) رواه الأثرم قال الأثرم قلت: لأحمد ما معنى قوله: (( لا يغلق الرهن ))؟ قال: لا يدفع رهنا إلى رجل ويقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا, وإلا فالرهن لك قال ابن المنذر: هذا معنى قوله: (( لا يغلق الرهن )) عند مالك والثوري وأحمد وفي حديث معاوية بن عبد الله بن جعفر أن رجلا رهن دارا بالمدينة إلى أجل مسمى فمضى الأجل فقال الذي ارتهن: منزلى فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (( لا يغلق الرهن )) ولأنه علق البيع على شرط, فإنه جعله مبيعا بشرط أن لا يوفيه الحق في محله والبيع المعلق بشرط لا يصح وإذا شرط هذا الشرط فسد الرهن ويتخرج أن لا يفسد, لما ذكرنا في سائر الشروط الفاسدة وهذا ظاهر قول أبي الخطاب في " رءوس المسائل " واحتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (( لا يغلق الرهن )) فنفى غلقه دون أصله فيدل على صحته, ولأن الراهن قد رضي برهنه مع هذا الشرط فمع بطلانه أولى أن يرضى به ولنا أنه رهن بشرط فاسد, فكان فاسدا كما لو شرط توفيته وليس في الخبر أنه شرط ذلك في ابتداء العقد, فلا يكون فيه حجة. ولو قال الغريم: رهنتك عبدي هذا على أن تزيدنى في الأجل كان باطلا لأن الأجل لا يثبت في الدين إلا أن يكون مشروطا في عقد وجب به, فإذا لم يثبت الأجل لم يصح الرهن لأنه جعله في مقابلته, ولأن ذلك يضاهي ربا الجاهلية كانوا يزيدون في الدين ليزدادوا في الأجل. إذا كان له على رجل ألف فقال: أقرضنى ألفا, بشرط أن أرهنك عبدي هذا بالألفين فنقل حنبل عن أحمد أن القرض باطل وهو مذهب الشافعي لأنه قرض يجر منفعة وهو الاستيثاق بالألف الأول وإذا بطل القرض بطل الرهن فإذا قيل: أليس لو شرط أنه يعطيه رهنا بما يقترضه جاز؟ قلنا: ليس هذا قرضا جر منفعة لأن غاية ما حصل له تأكيد الاستيفاء لبدل ما أقرضه, وهو مثله والقرض يقتضي وجوب الوفاء وفي مسألتنا شرط في هذا القرض الاستيثاق لدينه الأول, فقد شرط استيثاقا لغير موجب القرض ونقل مهنا أن القرض صحيح ولعل أحمد حكم بصحة القرض مع فساد الشرط كى لا يفضي إلى جر المنفعة بالقرض أو حكم بفساد الرهن في الألف الأول وحده, وصححه فيما عداه ولو كان مكان القرض بيع فقال: بعنى عبدك هذا بألف على أن أرهنك عبدي به وبالألف الآخر الذي على فالبيع باطل, رواية واحدة لأن الثمن مجهول فإنه جعل الثمن ألفا ومنفعة هي وثيقة بالألف الأول وتلك المنفعة مجهولة, ولأنه شرط عقد الرهن بالألف الأول فلم يصح كما لو أفرده, أو كما لو باعه داره بشرط أن يبيعه الآخر داره. وإذا فسد الرهن وقبضه المرتهن لم يكن عليه ضمانه لأنه قبضه بحكم أنه رهن, وكل عقد كان صحيحه غير مضمون أو مضمونا ففاسده كذلك فإن كان مؤقتا أو شرط أنه يصير للمرتهن بعد انقضاء مدته, صار بعد ذلك مضمونا لأنه مقبوض بحكم بيع فاسد وحكم الفاسد من العقود حكم الصحيح في الضمان فإن كان أرضا فغرسها قبل انقضاء الأجل فهو كغرس الغاصب لأنه غرس بغير إذن, وإن غرس بعد الأجل وكان قد شرط أن الرهن يصير له فقد غرس بإذن لأن البيع وإن كان فاسدا, فقد تضمن الإذن في التصرف فيكون الراهن مخيرا بين ثلاثة أشياء بين أن يقر غرسه له, وبين أخذه بقيمته وبين أن يجبره على قلعه ويضمن له ما نقص.
|