الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر عدة حوادث: وفيها توفي الغالب بالله ولي عهد أبيه القادر بالله في شهر رمضان؛ وتوفي أيضاً أبو أحمد عبدالله بن محمد بن أبي علان، قاضي الأهواز، ومولده سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وله تصانيف حسنة، وكان معتزلياً. وفي هذه السنة مات عبد الغني بن سعيد بن بشر بن مروان الحافظ المصري، صاحب المؤتلف والمختلف، ومولده سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. وتوفي رجاء بن عيسى بن محمد أبو العباس الأنصناوي، وأنصنا من قرى مصر، وهو من الفقهاء المالكية وسمع الحديث الكثير. ثم دخلت: .سنة عشر وأربعمائة: وفيها توفي وثاب بن سابق النميري، صاحب حران؛ وأبو الحسن بن أسد الكاتب؛ وأبو بكر محمد بن عبد السلام الهاشمي القاضب بالبصرة؛ وأبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، الفقيه الحنبلي البغدادي، عم أبي محمد. وفيها مات الأصيفر المنتفقي الذي كان يؤذي الحاج في طريقهم؛ وأبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ الأصبهاني؛ وعبد الصمد بن بابك أبو القاسم الشاعر، قدم على الصاحب بن عباد فقال: أنت ابن بابك؟ فقال: أنا ابن باك؛ فاستحسن قوله. ثم دخلت: .سنة إحدى عشرة وأربعمائة: .ذكر قتل الحاكم وولاية ابنه الظاهر: وكان سبب فقده أنه خرج يطوف ليلة على رسمه، وأصبح عند قبر الفقاعي، وتوجه إلى شرقي حلوان ومعه ركابيان، فأعاد أحدهما مع جماعة من العرب إلى بيت المال، وأمر لهم بجائزة، ثم عاد الركابي الآخر، وذكر أنه خلفه عند العين والمقصبة. وبقي الناس على رسمهم يخرجون كل يوم يلتمسون رجوعه إلى سلخ شوال، فلما كان ثالث ذي القعدة خرج مظفر الصقلبي، صاحب المظلة، وغيره من خواص الحاكم، ومعهم القاضي، فبلغوا عسفان، ودخلوا في الجبل، فبصروا بالحمار الذي كان عليه راكباً، وقد ضربت يداه بسيف فأثر فيهما، وعليه سرجه ولجامه، فاتبعوا الأثر، فانتهوا به إلى البركة التي شرقي حلوان، فرأوا ثيابه، وهي سبع قطع صوف، وهي مزررة بحالها لم تحل، وفيها أثر السكاكين، فعادوا ولم يشكوا في قتله. وقيل: كان سبب قتله أن أهل مصر كانوا يكرهونه لما يظهر منه من سوء أفعاله، فكانوا يكتبون إليه الرقاع فيها سبة، وسب أسلافه، والدعاء عليه، حتى إنهم عملوا من قراطيس صورة امرأة وبيدها رقعة، فلما رآها ظن أنها امرأة تشتكي، فأمر بأخذ الرقعة منها، فقرأها، وفيها كل لعن وشتيمة قبيحة، وذكر حرمه بما يكره، فأمر بطلب المرأة، فقيل إنها من قراطيس، فأمر بإحراق مصر ونهبها، ففعلوا ذلكم، وقاتل أهلها أشد قتال، وانضاف إليهم في اليوم الثالث الأتراك والمشارقة، فقويت شوكتهم وأرسلوا إلى الحاكم يسألونه الصفح ويعتذرون، فلم يقبل، فصاروا إلى التهديد، فلما رأى قوتهم أمر بالكف عنهم، وقد أحرق بعض مصر ونهب بعضها، وتتبع المصريون من أخذ نساءهم وأبناءهم، فابتاعوا ذلك بعد أن فضحوهن فازداد غيظهم منه وحنقهم عليه. ثم إنه أوحش أخته، وأرسل إليها مراسلات قبيحة يقول فيها: بلغني أن الرجال يدخلون إليك؛ وتهددها بالقتل، فأرسلت إلى قائد كبير من قواد الحاكم يقال له ابن دواس، وكان أيضاً يخاف الحاكم، تقول له: إنني أريد أن ألقاك؛ فحضرت عنده وقالت له: قد جئت إليك في أمر تحفظ فيه نفسك ونفسي، وأنت تعلم ما يعتقده أخي فيك، وأنه متى تمكن منك لا يبقي عليك، وأنا كذلك، وقد انضاف إلى هذا ما تظاهر به مما يكرهه المسلمون، ولا يصبرون عليه، وأخاف أن يثوروا به فيهلك هو ونحن معه، وتنقلع هذه، الدولة. فأجابها إلى ما تريد، فقالت: إنه يصعد إلى هذا الجبل غداً، وليس معه غلام إلا الركابي وصبي، وينفرد بنفسه، فتقيم رجلين تثق بهما يقتلانه، ويقتلان الصبي، وتقيم ولده بعده، وتكون أنت مدبر الدولة، وأزيد في إقطاعك مائة ألف دينار. فأقام رجلين، وأعطتهما هي ألف دينار، ومضيا إلى الجبل، وركب الحاكم على عادته، وسار منفرداً إليه، فقتلاه، وكان عمره ستاً وثلاثين سنة وتسعة أشهر، وولايته خمساً وعشرين سنة وعشرين يوماً، وكان جواداً بالمال، سفاكاً للدماء، قتل عدداً كثيراً من أماثل دولته وغيرهم، فكانت سيرته عجيبة. منها: أنه أمر في صدر خلافته بسبب الصحابة، رضي الله عنهم، وأن تكتب على حيطان الجوامع والأسواق، وكتب إلى سائر عماله بذلك، وكان ذلك سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. ثم أمر بعد ذلك بمدة بالكف عن السب، وتأديب من يسبهم، أو يذكرهم بسوء، ثم أمر في سنة تسع وتسعين بترك صلاة التراويح، فاجتمع الناس بالجامع العتيق، وصلى بهم إمام جميع رمضان، فأخذه وقتله، ولم يصل أحد التراويح إلى سنة ثمان وأربعمائة، فرجع عن ذلك، وأمر بإقامتها على العادة. وبنى الجامع براشدة، وأخرج إلى الجوامع والمساجد من الآلأت، والمصاحف، والستور، والحصر ما لم ير الناس مثله، وحل أهل الذمة على الإسلام، أو السمير إلى مأمنهم أو لبس الغيار، فأسلم كثير منهم، ثم كان الرجل منهم، بعد ذلك، يلقاه فيقول له: إنني أريد العود إلى ديني؛ فيأذن له. ومنع النساء من الخروج من بيوتهن، وقتل من خرج منهن، فشكت إليه من لا قيم لها يقوم بأمرها، فأمر الناس أن يحملوا كل ما يباع في الأسواق إلى الدروب ويبيعوه على النساء، وأمر من يبيع أن يكون معه شبه المغرفة بساعد طويل يمده إلى المرأة، وهي من وراء الباب، وفيه ما تشتريه، فإذا رضيت وضعت الثمن في المغرفة وأخذت ما فيها لئلا يراها، فنال الناس من ذلك شدة عظيمة. ولما فقد الحاكم ولي الأمر بعده ابنه أبو الحسن علي، ولقب الظاهر لإعزاز دين الله، وأخذت له البيعة، ورد النظر في الأمور جميعها إلى الوزير أبي القاسم علي بن أحمد الجرجرائي. .ذكر ملك مشرف الدولة العراق: وكان سببه أن الجند شغبوا على سلطان الدولة، ومنعوه من الحركة، وأراد ترتيب أخيه مشرف الدولة في الملك، فأشير على سلطان الدولة بالقبض عليه، فلم يمكنه ذلك، وأراد سلطان الدولة الانحدار إلى واسط، فقال الجند: إما أن تجعل عندنا ولدك أو أخاك مشرف الدولة. فراسل أخاه بذلك، فامتنع، ثم أجاب بعد معاودةٍ، ثم إنهما اتفقا، واجتمعا ببغداد، واستقر بينهما أنهما لا يستخدمان ابن سهلان، وفارق سلطان الدولة بغداد، وقصد الأهواز واستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق. فلما انحدر سلطان الدولة ووصل إلى تستر استوزر ابن سهلان، فاستوحش مشرف الدولة، فأنفذ سلطان الدولة وزيره ابن سهلان ليخرج أخاه مشرف الدولة من العراق، فجمع مشرف الدولة عسكراً كثيراً منهم أتراك واسط، وأبو الأغر دبيس بن علي بن مزيد، ولقي ابن سهلان عند واسط، فانهزم ابن سهلان وتحصن بواسط، وحاصره مشرف الدولة وضيق عليه، فغلت الأسعار حتى بلغ الكر من الطعام ألف دينار قاسانية، وأكل الناس الدواب حتى الكلاب، فلما رأى ابن سهلان إدبار أموره سلم البلد، واستحلف مشرف الدولة وخرج إليه، وخوطب حينئذ مشرف الدولة بشاهنشاه، وكان ذلك في آخر ذي الحجة، ومضت الديلم الذين كانوا بواسط في خدمته، وساروا معه، فحلف لهم وأقطعهم، واتفق هو وأخوه جلال الدولة أبو طاهر. فلما سمع سلطان الدولة ذلك سار عن الأهواز إلى أرجان، وقطعت خطبته من العراق، وخطب لأخيه ببغداد آخر المحرم سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وقبض على ابن سهلان وكحل. ولما سمع سلطان الدولة بذلك ضعفت نفسه، وسار إلى الأهواز في أربعمائة فارس، فقلت عليهم الميرة، فنهبوا السواد في طريقهم، فاجتمع الأتراك الذين بالأهواز، وقاتلوا أصحاب سلطان الدولة، ونادوا بشعار مشرف الدولة، وساروا منها، فقطعوا الطريق على قافلة وأخذوها وانصرفوا. .ذكر ولاية الظاهر لإعزاز دين الله: وجمعت أخت الحاكم الناس، ووعدتهم، وأحسنت إليهم، ورتبت الأمور ترتيباً حسناً، وجعلت الأمر بيد ابن دواس، وقالت له: إننا نريد أن نرد جميع أحوال المملكة إليك، ونزيد في إقطاعك، ونشرفك بالخلع، فاختر يوماً يكون ذلك. فقبل الأرض ودعا، وظهر الخبر به بين الناس، ثم أحضرته، وأحضرت القواد معه، وأغلقت أبواب القصر، وأرسلت إليه خادماً وقالت له: قل للقواد إن هذا قتل سيدكم، واضربه بالسف؛ ففعل ذلك وقتله، فلم يختلف رجلان، وباشرت الأمور بنفسها، وقامت هيبتها عند الناس، واستقامت الأمور، وعاشت بعد الحاكم أربع سنين وماتت. .ذكر الفتنة بين الأتراك والأكراد بهمذان: وفعل شمس الدولة بمن عنده في همذان كذلك، وأخرجهم، فمضى ثلاثمائة منهم إلى كرمان، وخدموا أبا الفوارس بن بهاء الدولة صاحبها. .ذكر القبض على أبي القاسم المغربي وابن فهد: وأما المغربي فإنه خدع قرواشاً، ووعده بمال له في الكوفة وبغداد، فأمر بحمله وترك. وفي قرواش وابن فهد يقول الشاعر، وهو ابن الزمكدم: وهذه الأبيات قد أجمع أهل البيان على أنها غاية في الجودة لم يقل خير منها في معناها. .ذكر الحرب بين قرواش وغريب بن مقن: ثم إن قرواشاً خلص، وقصد سلطان بن الحسين بن ثمال، أمير خفاجة، فسار إليهم جماعة من الأتراك، فعاد قرواش وانهزم ثانياً هو وسلطان، وكانت الوقعة بينهم غربي الفرات. ولما انهزم قرواش مد نواب السلطان أيديهم إلى أعماله، فأرسل يسأل الصفح عنه، ويبذل الطاعة. .ذكر عدة حوادث: وفيها، في ربيع الآخر، نشأت سحابة بإفريقية أيضاً شديدة البرق والرعد، فأمطرت حجارة كثيرة ما رأى الناس أكبر منها، فهلك كل من أصابه شيء منها. وفيها توفي أبو بكر محمد بن عمر العنبري الشاعر، وديوانه مشهور، ومن قوله: .سنة اثنتي عشرة وأربعمائة: .ذكر الخطبة لمشرف الدولة ببغداد وقتل وزيره أبي غالب: ثم انحدر في العساكر، فلما وصل إلى الأهواز نادى الديلم بشعار سلطان الدولة، وهجموا على أبي غالب فقتلوه، فسار الأتراك الذين كانوا معه إلى طراد ابن دبيس الأسدي بالجزيرة التي لنبي دبيس، ولم يقدروا أن يدفعوا عنه، فكانت وزارته ثمانية عشر شهراً وثلاثة أيام، وعمره ستين سنة وخمسة أشهر، فأخذ ولده أبو العباس، وصودر على ثلاثين ألف دينار. فلما بلغ سلطان الدولة قتله اطمأن، وقويت نفسه، وكان قد خافه، وأنفذ ابنه أبا كاليجار إلى الأهواز فملكها. .ذكر وفاة صدقة صاحب البطيحة: ثم توفي صدقة، بعد قتله، في صفر، فاجتمع أهل البطيحة على ولاية سابور بن المرزبان، فوليهم، وكتب إلى مشرف الدولة يطلب أن يقرر عليه ما كان على صدقة من الحلم، ويستعمل على البطيحة، فأجابه إلى ذلك، وزاد في القرار عليه، واستقر في الأمر. ثم إن أبا نصر شيرزاد بن الحسن بن مروان زاد في المقاطعة، فلم يدخل سابور في الزيادة، فولي أبو نصر البطيحة، وسار إليها، وفارقها سابور إلى الجزيرة بني دبيس، واستقر أبو نصر في الولاية، وأمنت به الطرق. .ذكر عدة حوادث: وفيها حج الناس من العراق، وكان قد انقطع سنة عشر وسنة إحدى عشرة، فلما كان هذه السنة قصد جماعة من أعيان خراسان السلطان محمود بن سبكتكين وقالوا له: أنت أعظم ملوك الإسلام، وأثرك في الجهاد مشهور، والحج قد انقطع كما ترى، والتشاغل به واجبٌ، وقد كان بدر بن حسنويه، وفي أصحابك كثير أعظم منه، يسير الحاج بتدبيره، وما له عشرون، فاجعل لهذا الأمر حظاً من اهتمامك. فتقدم إلى أبي محمد الناصحي قاضي قضاة بلاده بأن يسير بالحاج، وأعطاه ثلاثين ألف دينار يعطيها للعرب سوى النفقة في الصدقات، ونادى في خراسان بالتأهب للحج، فاجتمع خلق عظيم، وساروا، وحج بهم أبو لحسن الأقساسي، فلما بلغوا فيد حصرهم العرب، فبذل لهم الناصحي خمسة آلاف دينار، فلم يقنعوا، وصمموا العزم على أخذ الحاج، وكان مقدمهم رجل يقال له حمار بن عدي، بضم العين، من بني نبهان، فركب فرسه، وعليه درعه وسلاحه، وجال جولة يرهب بها، وكان من سمرقند شاب يوصف بجودة الرمي، فرماه بسهم فقتله، وتفرق أصحابه، وسلم الحاج فحجوا، وعادوا سالمين. وفيها قلد أبو جعفر السمناني الحسبة، والمواريث، ببغداد، والموتى. وتوفي هذه السنة أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبدالله الماليني الصوفي بمصر، في شوال، وهو من المكثرين في الحديث؛ ومحمد بن أحمد بن محمد بن رزق البزاز، المعروف بابن زرقويه، شيخ الخطيب أبي بكر، ومولده سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وكان فقيهاً شافعياً؛ وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي الصوفي، النيسابوري، صاحب طبقات الصوفية؛ وأبو علي الحسن بن علي الدقاق النيسابوري الصوفي، شيخ أبي القاسم القشيري؛ وأبو الفتح بن أبي الفوارس. ثم دخلت: .سنة ثلاث عشرة وأربعمائة: .ذكر الصلح بين سلطان الدولة ومشرف الدولة: .ذكر مقتل المعز وزيره وصاحب جيشه: وسبب ذلك أنه أقام سبع سنين لم يحمل إلى المعز من الأموال شيئاً بل يجبيها ويرفعها عنده، وطمع طمعاً عظيماً، لا يصبر على مثله، بكثرة أتباعه، ولأن أخاه عبد الله بطرابلس الغرب مجاور لزناتة، وهم أعداء دولته، فصار المعز لا يكاتب ملكاً، ولا يراسله، إلا ويكتب أبو عبد الله معه عن نفسه، فعظم ذلك على المعز وقتله. يحكى عن أبي عبد الله أنه قال: سهرت ليلة أفكر في شيء أحدثه في الناس وأخرجه عليهم من الخدم التي التزمتها، فنمت فرأيت عبد الله بن محمد الكاتب، وكان وزيراً لباديس، والد هذا المعز، وكان عظيم القدر والمحل، وهو يقول لي: اتق الله، أبا عبد الله، في الناس كافة، وفي نفسك خاصة، فقد أسهرت عينيك، وأبرمت حافظيك، وقد بدا لي منك ما خفي عليك، وعن قليل ترد على ما وردنا، وتقدم على ما قدمنا. فاكتب عني ما أقول، فإنني لا أقول إلا حقاً. فأملى علي هذه الأبيات: قال: فانتبهت مرعوباً، ورسخت الأبيات في حفظي، فلم يبق بعد هذا المنام غير شهرين حتى قتل. ولما وصل خبر قتله إلى أخيه عبد الله بطرابلس بعث إلى زناتة فعاهدهم، وأدخلهم مدينة طرابلس، فقتلوا من كان فيها من صنهاجة وسائر الجيش، وأخذوا المدينة. فلما سمع المعز ذلك أخذ أولاد عبد الله ونفراً من أهلهم فحبسهم، ثم قتلهم بعد أيام، لأن نساء المقتولين بطرابلس استغثن إلى المعز في قتلهم فقتلهم.
|