الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيِ الْمَوَارِيثِ وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَحَفِظْت أَنَّ بَعْضَهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يُذْكَرُ مِمَّا أَحْكِي مِنْ مَعَانِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ كُنْت قَدْ أَوْضَحْت بَعْضَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْضَحُوهُ بِهِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَأَنَّ وَصِيَّةَ الْمَرْأَةِ بِمَتَاعِ سَنَةٍ وَذَلِكَ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسَكَنُهَا وَأَنْ قَدْ حُظِرَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا إخْرَاجُهَا وَلَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ وَلَمْ تَخْرُجْ وَلَمْ يُحْرَجْ زَوْجُهَا وَلاَ وَارِثُهُ بِخُرُوجِهَا إذَا كَانَ غَيْرَ إخْرَاجٍ مِنْهُمْ لَهَا وَلاَ هِيَ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ تَارِكَةٌ الْحَقَّ لَهَا وَكَانَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ وَالسُّكْنَى مَنْسُوخَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَّثَهَا الرُّبُعَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا وَلَدٌ وَالثُّمُنَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ. وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْبَتَ عَلَيْهَا عِدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا وَلاَ النِّكَاحُ قَبْلَهَا قَالَ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلاً فَيَكُونَ أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا بَعُدَ أَوْ قَرُبَ، وَيَسْقُطُ بِوَضْعِ حَمْلِهَا عِدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. قَالَ وَمَا وَصَفْت مِنْ نَسْخِ الْوَصِيَّةِ لَهَا بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ بِالْمِيرَاثِ مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ عَلِمْته مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ لاَ اخْتِلاَفَ عَلِمْته فِي أَنَّ إلَيْهَا عِدَّةَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعَ السُّنَّةِ أَنَّ أَجَلَهَا إذَا كَانَتْ حَامِلاً وَكُلِّ ذَاتِ عِدَّةٍ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا. قَالَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ بِأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَخْرُجَ مَعَ الِاسْتِدْلاَلِ بِالسُّنَّةِ. قَالَ وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ حَامِلٍ وَغَيْرِ حَامِلٍ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْحَمْلِ دُونَ الْحَوَامِلِ، وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّهَا عَلَى غَيْرِ الْحَوَامِلِ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَأَنَّ الطَّلاَقَ وَالْوَفَاةَ فِي الْحَوَامِلِ الْمُعْتَدَّاتِ سَوَاءٌ وَأَنَّ أَجَلَهُنَّ كُلَّهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْأَمَةَ الْحَامِلَ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ كَالْحُرَّةِ تَحِلُّ بِوَضْعِ حَمْلِهَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنهما عَنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إذَا وَلَدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ فَدَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: «وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ فَخَطَبَهَا رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ وَالْآخَرُ كَهْلٌ فَخُطِبَتْ إلَى الشَّابِّ فَقَالَ الْكَهْلُ لَمْ تَحْلِلْ وَكَانَ أَهْلُهَا غُيَّبًا وَرَجَا إذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تَنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ إذَا نَفِسَتْ فَقَدْ حَلَّتْ قَالَ فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنَا مَعَ ابْن أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: «وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ «أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نَفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي أَنْ تَنْكِحَ فَأَذِنَ لَهَا». أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَيَّامٍ فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ فَقَالَ قَدْ تَصَنَّعْت لِلْأَزْوَاجِ إنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إنَّك قَدْ حَلَلْت فَتَزَوَّجِي». أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: لَوْ وَلَدَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ لَحَلَّتْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَفَقَةٌ حَامِلاً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُشْرِكَةً أَوْ مَمْلُوكَةً لاَ تَرِثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَنْ الْمَالِ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَإِذَا وَضَعَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا جَمِيعَ حَمْلِهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مَكَانَهَا وَلَمْ تَنْتَظِرْ أَنْ تَطْهُرَ وَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَلَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَهَكَذَا هِيَ إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَهَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الطَّلاَقِ إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَلَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا حَتَّى تَطْهُرَ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَكَانَتْ تَجِدُ حَرَكَةً تَخَافُ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا ثَانِيًا أَوْ وَضَعَتْ ثَانِيًا وَخَافَتْ أَنْ تَكُونَ الْحَرَكَةُ وَلَدًا ثَالِثًا لَمْ تَنْكِحْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنْ لَيْسَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ غَيْرُ الَّذِي وَلَدَتْ أَوَّلاً، وَإِنْ نَكَحَتْ بَعْدَ وِلاَدِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهِيَ تَجِدُ حَرَكَةً فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ وَلَدَتْ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ وَلَدًا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ فَوَضَعَتْ وَلَدًا فَارْتَجَعَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ تَجِدُ حَرَكَةً وُقِفَتْ الرَّجْعَةُ فَإِنْ وَلَدَتْ آخَرَ أَوْ أَسْقَطَتْهُ قَدْ تَبَيَّنَّ بَعْضُ خَلْقِهِ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَضَعْهُ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ. قَالَ وَسَوَاءٌ وَلَدَتْهُ سِقْطًا أَوْ تَمَامًا أَوْ ضَرَبَهُ إنْسَانٌ أَوْ هِيَ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا تَخْلُو عِدَّتُهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهَا قَدْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَهِيَ وَمَنْ ضَرَبَهُ آثِمَانِ بِضَرْبِهِ، وَهَذَا هَكَذَا فِي الطَّلاَقِ وَكُلِّ عِدَّةٍ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَسَوَاءٌ هَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَفِي كُلِّ عِدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلاَ تَحِلُّ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ خَلْقٌ مِنْ خَلَفِ بَنِي آدَمَ رَأْسٌ أَوْ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ ظُفْرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ شَعْرٌ أَوْ فَرْجٌ أَوْ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ، فَأَمَّا مَا لاَ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ خَلْقُ آدَمِيٍّ فَلاَ تَحِلُّ بِهِ وَعِدَّتُهَا فِيهِ مَا فُرِضَ عَلَيْهَا مِنْ الْعِدَّةِ غَيْرِ عِدَّةِ أُولاَتِ الْأَحْمَالِ وَسَوَاءٌ فِي الْخُرُوجِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْمَفْسُوخِ وَالِاسْتِبْرَاءِ كُلُّ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ وَبِأَيِّ وَجْهٍ اعْتَدَّتْ وَأَيُّ أَمَةٍ اسْتَبْرَأَتْ وَتَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ مِنْ أَيْ زَوْجٍ كَانَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِحُرَّةٍ ذِمِّيَّةٍ عِدَّةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا يُنْظَرُ إلَى السَّاعَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا الزَّوْجُ فَتَعْتَدُّ مِنْهَا بِالْأَيَّامِ فَإِذَا رَأَتْ الْهِلاَلَ اعْتَدَّتْ بِالْأَهِلَّةِ. قَالَ كَأَنَّهُ مَاتَ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ خَمْسُ لَيَالٍ سِوَى يَوْمِهَا الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَاعْتَدَّتْ خَمْسًا ثُمَّ رُئِيَ الْهِلاَلُ فَتُحْصِي الْخَمْسَ الَّتِي قَبْلَ الْهِلاَلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَهِلَّةٍ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَكَانَ ثَلاَثٌ مِنْهَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَكَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا ثَلاَثِينَ أَوْ كَانَتْ كُلُّهَا ثَلاَثِينَ إنَّمَا الْوَقْتُ فِيهَا الْأَهِلَّةُ فَإِذَا أَوْفَتْ الْأَهِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ وَالْيَوْمَ الْخَامِسَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ حَتَّى يَكْمُلَ لَهَا عَشْرٌ سِوَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَإِنْ مَاتَ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْهِلاَلِ عَشْرُ لَيَالٍ أَحْصَتْ مَا بَقِيَ مِنْ الْهِلاَلِ فَإِنْ كَانَ عِشْرِينَ أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَفِظَتْهَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الشَّهْرَ الرَّابِعَ فَأَحْصَتْ عَدَدَ أَيَّامِهِ فَإِذَا كَمُلَ لَهَا ثَلاَثُونَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَقَدْ أَوْفَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاسْتَقْبَلَتْ عَشْرًا بِلَيَالِيِهَا، فَإِذَا أَوْفَتْ لَهَا عَشْرًا إلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَقَدْ مَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً أَوْ عَمْيَاءَ لاَ تَرَى الْهِلاَلَ وَلاَ تُخْبَرُ عَنْهُ أَوْ أَطْبَقَ عَلَيْهَا الْغَيْمُ اعْتَدَّتْ بِالْأَيَّامِ عَلَى الْكَمَالِ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَالْعَشْرُ بَعْدُهَا عَشْرٌ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَلاَثُونَ يَوْمًا وَلَمْ تَحِلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا حَتَّى تُوَفِّيَ هَذِهِ الْعِدَّةَ أَوْ يَثْبُتَ لَهَا أَنْ قَدْ خَلَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ بِالْأَهِلَّةِ وَالْعَشْرِ كَمَا وَصَفْت وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ بِحَيْضَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلْحَيْضِ مَوْضِعًا فَكَانَ بِفَرْضِ اللَّهِ الْعِدَّةَ لاَ الشُّهُورَ فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ الشُّهُورَ وَالْأَيَّامَ عِدَّةً فَلاَ مَوْضِعَ لِلْحَيْضَةِ فِيهَا، وَمَنْ قَالَ تَأْتِي فِيهَا بِحَيْضَةٍ جَعَلَ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ عَلَيْهَا. أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّهَا لاَ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ إلَّا مَرَّةً أَمَا يَكُونُ مَنْ جَعَلَهَا تَعْتَدُّ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ جَعَلَ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ عَلَيْهَا؟ وَلَكِنْ لَوْ ارْتَابَتْ مِنْ نَفْسِهَا اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا مِنْ الرِّيبَةِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعِدَدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَتْ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ بِحَيْضَةٍ وَحَيْضٍ ثُمَّ ارْتَابَتْ اسْتَبْرَأَتْ مِنْ الرِّيبَةِ. قَالَ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلاَقِ غَيْرُهَا حَتَّى يَكُونَ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلاَقِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الطَّلاَقِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ فِي حَالٍ لَوْ ابْتَدَأَ طَلاَقَهَا فِيهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ فَكَانَ فِي الصِّحَّةِ مُطَلِّقًا وَلَمْ يُحْدِثْ رَجْعَةً وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ الطَّلاَقُ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَرِثَتْهُ وَوَرِثَهَا لَوْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ هَذَا الطَّلاَقُ فِي الصِّحَّةِ. قَالَ وَلَوْ طَلَّقَهَا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَرِثْهَا، وَإِنْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّهَا تَرِثُهُ وَإِنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لاَ تَرِثُ مَبْتُوتَةً. هَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ. قَالَ الرَّبِيعُ وَقَدْ اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ فَقَالَ لاَ تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ طَلَّقَهَا مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا. قَالَ الرَّبِيعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَلَوْ قَذَفَهَا كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا فَلَمَّا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ مَعَانِي الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَةَ فَقَالَ «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ» وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ الزَّوْجَةَ فَكَانَتْ غَيْرَ زَوْجَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَمْ تَرِثْ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ طَلَّقَهَا عَلَى أَهَنَّا لاَ تَرِثُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا إنْ نَكَحَتْ فَاَلَّذِي أَخْتَارُ إنْ وَرِثَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَنْ تَرِثَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَلاَ تَرِثُهُ فَتَرِثُ زَوْجَيْنِ وَتَكُونُ كَالتَّارِكَةِ لِحَقِّهَا بِالتَّزْوِيجِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَرِثُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ عَدَدًا وَتَرِثُ أَزْوَاجًا، وَقَالَ غَيْرُهُمْ تَرِثُ فِي الْعِدَّةِ لاَ تَرِثُ بَعْدَهَا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ فَيَبُتُّهَا ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَأَمَّا أَنَا فَلاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنْ كَانَتْ مَبْتُوتَةً لَمْ تَرِثْهُ فِي عِدَّةٍ وَلاَ غَيْرِهَا وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ لِمَنْ قَالَ بِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْآثَارِ وَالنَّظَرِ فَقَالَ: وَكَيْفَ تَرِثُهُ امْرَأَةٌ لاَ يَرِثُهَا وَلاَ يَحِلُّ لَهُ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ ذِكْرُهُ الْأَزْوَاجَ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَجَعَلَ عَلَى الْأَزْوَاجِ الْعِدَّةَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ تَعْتَدُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَكَيْفَ تَرِثُهُ مَنْ لاَ تَعْتَدُّ مِنْهُ مِنْ وَفَاتِهِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ تَعْتَدُّ فَكَيْفَ تَعْتَدُّ مِنْهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ؟ وَإِنْ مَضَتْ بِهَا ثَلاَثُ حِيَضٍ قَبْلَ مَوْتِهِ أَفَتَعْتَدُّ امْرَأَةٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ ثَلاَثِ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَتْ إذَا مَضَتْ لَهَا ثَلاَثُ حِيَضٍ وَهُوَ مَرِيضٌ فَنَكَحَتْ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ أَفَتَعْتَدُّ مِنْهُ إنْ تُوُفِّيَ وَهِيَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ؟ وَمَنْ وَرَّثَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا انْبَغَى أَنْ يَقُولَ أُوَرِّثُهَا بِالِاتِّبَاعِ وَلاَ أَجْعَلُ عَلَيْهَا عِدَّةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَإِذَا مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ تَسْتَيْقِنُ مَوْتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. قَالَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا مَوْتُهُ حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ فَقَدْ مَضَتْ عِدَّتُهَا وَلاَ تَعُودُ لِعِدَّةٍ وَلاَ إحْدَادٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ الْإِسْلاَمِ أَمَرْنَاهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلاَقِ فَإِنْ قَضَتْهَا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَقْضِهَا حَتَّى تَابَ الزَّوْجُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلاَمِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ آخِرِ عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَتَرِثُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِحَالِهَا، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ هِيَ وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ فَقَالُوا قَدْ مَضَتْ عِدَّتُك قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ وَقَالَتْ لَمْ تَمْضِ حَتَّى تَابَ وَهُمْ يَتَصَادَقُونَ عَلَى تَوْبَةِ الزَّوْجِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ فَلاَ شَيْءَ لَهَا فِي مَالِهِ وَكَانَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادُ تَأْتِي فِيهَا بِثَلاَثِ حِيَضٍ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِأَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّتَيْنِ فِي إقْرَارَتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي كَانَتْ امْرَأَتَهُ بِحَالِهَا وَأُصَدِّقُهَا أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ. وَهَكَذَا كُلُّ مُطَلَّقَةٍ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ فَلِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ، وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ أُحْلِفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ حَلَفَ هُوَ عَلَى الْبَتِّ مَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تُرَدَّ عَلَيْهَا. وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ امْرَأَتَانِ قَدْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَلاَ تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا اعْتَدَّتَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا تُكْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِيهَا ثَلاَثَ حِيَضٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. قَالَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَكَانَتْ الْمُعْتَدَّاتُ مِنْ الْوَفَاةِ مُعْتَدَّاتٍ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ فَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ فِي فَرْضِ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَاتِ وَمَنْعُ إخْرَاجِهِنَّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُنَّ فِي السُّكْنَى وَمَنَعَ الْإِخْرَاجَ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ لِأَنَّهُنَّ فِي مَعْنَاهُنَّ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فَيَكُونُ عَلَى زَوْجِ الْمُطَلَّقَةِ أَنْ يُسْكِنَهَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَالَهُ وَلاَ يَكُونُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا سَكَنُهَا لِأَنَّ مَالَهُ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ السُّكْنَى بِالْمَوْتِ إذْ لاَ مَالَ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ «الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خَدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أُبْقُوا حَتَّى إذَا كَانَ فِي طَرَفِ الْقُدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلاَ نَفَقَةٍ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَانْصَرَفْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُعِيت لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْت؟ قَالَتْ فَرَدَدْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْت لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي. فَقَالَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» قَالَتْ: فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْته فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ. قَالَ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. قَالَ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَهَا سُكْنَاهَا فِي مَنْزِلٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَا كَانَتْ الْعِدَّةُ حَمْلاً أَوْ شُهُورًا كَانَ الطَّلاَقُ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَمْلِكُهَا. قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمَنْزِلُ بِكِرَاءٍ فَالْكِرَاءُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ أَوْ فِي مَالِ الزَّوْجِ الْمَيِّتِ وَلاَ يَكُونُ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ إخْرَاجُ الْمَرْأَةِ مِنْ مَسْكَنِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ مَعَهُ كَانَ لَهُ الْمَسْكَنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِزَوْجِهَا إذَا تَرَكَهَا فِيمَا يَسَعُهَا مِنْ الْمَسْكَنِ وَسِتْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَنْ يَسْكُنَ فِيمَا سِوَى مَا يَسَعُهَا. قَالَ وَإِنْ كَانَ عَلَى زَوْجِهَا دَيْنٌ لَمْ يُبَعْ مَسْكَنُهَا فِيمَا يُبَاعُ مِنْ مَالِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ قَدْ أَسْكَنَهَا مَسْكَنًا لَهُ أَوْ مَنْزِلاً قَدْ أَعْطَى كِرَاءَهُ. قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ عَلَيْهِ سُكْنَاهَا فِيمَا يَكْفِيهَا طَلاَقَهَا كَمَا يَمْلِكُ مَنْ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مَسْكَنَهُ سُكْنَى مَسْكَنِهِ دُونَ مَالِكِ الدَّارِ حَتَّى يَنْقَضِيَ كِرَاؤُهُ. قَالَ فَأَمَّا إنْ كَانَ أَنْزَلَهَا مَنْزِلاً عَارِيَّةً أَوْ فِي كِرَاءٍ فَانْقَضَى أَوْ بِكِرَاءٍ لَمْ يَدْفَعْهُ وَأَفْلَسَ. فَلِأَهْلِ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُخْرِجُوهَا مِنْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يُفْلِسَ فَإِنْ أَفْلَسَ ضَرَبَتْ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَقَلِّ قِيمَةِ سُكْنَى مَا يَكْفِيهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ وَاتَّبَعَتْهُ بِفَضْلِهِ مَتَى أَيْسَرَ. قَالَ وَهَكَذَا تَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِنَفَقَتِهَا حَامِلاً وَفِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلاَقِهِ. قَالَ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا فِي مَوْتِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدًا مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا وَصَفْت فِي الطَّلاَقِ لاَ يُخَالِفُهُ. وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفُرَيْعَةِ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا السُّكْنَى. قَالَ وَيُجْعَلُ لَهَا السُّكْنَى فِي مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ كَفَنِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَيُمْنَعُ مَنْزِلُهَا الَّذِي تَرَكَهَا فِيهِ أَنْ يُبَاعَ أَوْ يُقَسَّمَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَيَتَكَارَى لَهَا إنْ أُخْرِجَتْ مِنْ مَنْزِلٍ كَانَ بِيَدِهِ عَارِيَّةً أَوْ بِكِرَاءٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسْكِنُوهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا فَقَدْ مَلَكُوا الْمَالَ دُونَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا السُّكْنَى حِينَ كَانَ مَيِّتًا لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا وَلاَ سُكْنَى لَهَا كَمَا لاَ نَفَقَةَ لَهَا وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك يَحْتَمِلُ مَا لَمْ تُخْرَجِي مِنْهُ إنْ كَانَ لِغَيْرِك لِأَنَّهَا قَدْ وَصَفْت أَنَّ الْمَنْزِلَ لَيْسَ لِزَوْجِهَا. فَإِنْ كَانَ لَهَا الْمَنْزِلُ أَوْ لِلْقَوْمِ فَلَمْ يُخْرِجُوهَا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. قَالَ وَإِذَا أَسْكَنَهَا وَرَثَتُهُ فَلَهُمْ أَنْ يُسْكِنُوهَا حَيْثُ شَاءُوا لاَ حَيْثُ شَاءَتْ إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا حَرِيزًا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُسْكِنُوهَا اعْتَدَّتْ حَيْثُ شَاءَتْ مِنْ الْمِصْرِ. قَالَ وَلَوْ كَانَتْ تَسْكُنُ فِي مَنْزِلٍ لَهَا مَعَهُ فَطَلَّقَهَا وَطَلَبَتْ أَنْ تَأْخُذَ كِرَاءَ مَسْكَنِهَا مِنْهُ كَانَ لَهَا فِي مَالِهِ أَنْ تَأْخُذَ كِرَاءَ أَقَلِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ الْمَسْكَنِ فَقَطْ. قَالَ وَلَوْ كَانَ نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلٍ غَيْرِ مَنْزِلِهِ الَّذِي كَانَتْ مَعَهُ فِيهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي نَقَلَهَا إلَيْهِ اعْتَدَّتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ الَّذِي نَقَلَهَا إلَيْهِ وَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهَا فِي النُّقْلَةِ إلَى مَنْزِلٍ بِعَيْنِهِ أَوْ أَمَرَهَا تَنْتَقِلُ حَيْثُ شَاءَتْ فَنَقَلَتْ مَتَاعَهَا وَخَدَمَهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ بِبَدَنِهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَلاَ تَكُونُ مُنْتَقِلَةً إلَّا بِبَدَنِهَا. فَإِذَا انْتَقَلَتْ بِبَدَنِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ بِمَتَاعِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا اعْتَدَّتْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِإِذْنِهِ. قَالَ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا فِي مَنْزِلٍ بِعَيْنِهِ أَوْ قَالَ لَهَا انْتَقِلِي حَيْثُ شِئْت أَوْ انْتَقَلَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا بَعْدُ فِي الْمَقَامِ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ، كُلُّ هَذَا فِي أَنْ تَعْتَدَّ فِيهِ سَوَاءٌ. قَالَ وَلَوْ انْتَقَلَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ يُحْدِثُ لَهَا إذْنًا حَتَّى طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا رَجَعَتْ فَاعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ مَعَهُ فِيهِ. وَهَكَذَا السَّفَرُ يَأْذَنُ لَهَا بِهِ فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ حَتَّى يُطَلِّقَهَا أَوْ يُتَوَفَّى عَنْهَا أَقَامَتْ فِي مَنْزِلِهَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِنْ أَذِنَ لَهَا بِالسَّفَرِ فَخَرَجَتْ أَوْ خَرَجَ بِهَا مُسَافِرًا إلَى حَجٍّ أَوْ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَمَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَسَوَاءٌ وَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَمْضِيَ فِي سَفَرِهَا ذَاهِبَةً أَوْ جَائِيَةً وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ سَفَرُهَا فَلاَ تُقِيمَ فِي الْمِصْرِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهَا فِي الْمَقَامِ فِيهِ أَوْ فِي النُّقْلَةِ إلَيْهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ الْمِصْرَ. وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهَا مُسَافِرَةً أَقَامَتْ مَا يُقِيمُ الْمُسَافِرُ مِثْلُهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ أَكْمَلَتْهُ فِي بَيْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ مِصْرِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ إذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ بَعِيدًا وَإِذْنُهُ لَهَا بِالسَّفَرِ وَخُرُوجُهَا فِيهِ كَإِذْنِهِ بِالنُّقْلَةِ وَانْتِقَالِهَا لِأَنَّ نَقْلَةَ الْمُسَافِرِ هَكَذَا. وَإِنْ رَجَعَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ سَفَرُهَا اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَهَا الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا بِالسَّفَرِ إذْنَ مَقَامٍ فِيهِ إلَّا مَقَامَ مُسَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهَا بِالنُّقْلَةِ إلَى مِصْرٍ أَوْ مَقَامٍ فِيهِ فَخَرَجَتْ ثُمَّ مَاتَ أَوْ بَقِيَ حَيًّا فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ الْمِصْرَ. فَلَهُ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَلِيِّهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ وَكِيلٍ لَهُ أَنْ يُنْزِلَهَا حَيْثُ يَرْضَى مِنْ الْمِصْرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَعَلَيْهِ سُكْنَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَلاَ وَكِيلَ لَهُ وَلاَ وَارِثَ حَاضِرٌ كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ تَرْضَى لِئَلَّا يَلْحَقَ بِالْمَيِّتِ أَوْ بِالْمُطَلِّقِ وَلَدٌ لَيْسَ مِنْهُ. وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى أَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ مَنْزِلٍ مِنْ الْمَنَازِلِ أَوْ قَالَ أَقِيمِي فِي أَهْلِك أَوْ فِي مَنْزِلٍ فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى طَلَّقَهَا طَلاَقًا لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ أَوْ مَاتَ اعْتَدَّتْ فِي مَنْزِلِهِ. وَإِنْ خَرَجَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَبَلَغَتْهُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ. ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا مَضَتْ إلَيْهِ وَحِينَ زَايَلَتْ مَنْزِلَهُ بِإِذْنِهِ إلَى حَيْثُ أَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ أَوْ تُقِيمَ فَمَنْزِلُهَا حَيْثُ أَمَرَهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَخْرَجَتْ مَتَاعَهَا أَوْ تَرَكَتْهُ أَوْ مَنَعَهَا مَتَاعَهَا أَوْ تَرَكَهَا وَإِيَّاهُ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ لَهَا: أَقِيمِي فِيهِ حَتَّى يَأْتِيَك أَمْرِي وَقَوْلُهُ هَذَا وَسُكُوتُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمَقَامَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ زِيَارَةٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا لَوْ نَقَلَهَا ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ أَنْ تَعُودَ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ قَالَ إنَّمَا قُلْت هَذَا لَهَا لِتَزُورَ أَهْلَهَا أَوْ لَمْ يَقُلْهُ إذَا طَلَّقَهَا طَلاَقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَمْلِكُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْلُهَا عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهَا انْتَقِلِي إلَيْهِ أَقِيمِي فِيهِ حَتَّى يُرَاجِعَهَا فَيَنْقُلَهَا إنْ شَاءَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إنْ كَانَ أَذِنَ لَهَا فِي زِيَارَةِ أَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ النُّزْهَةِ إلَى مَوْضِعٍ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجًا مِنْهُ فَخَرَجَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ. فَعَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَعْتَدَّ فِيهِ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ لَيْسَتْ مَقَامًا. فَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ قَبْلَ الطَّلاَقِ أَوْ الْمَوْتِ إنَّمَا نَقَلْتهَا إلَيْهِ وَلَمْ تَعْلَمْ هِيَ كَانَ لَهَا أَنْ تُقِيمَ حَيْثُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ لِأَنَّ النُّقْلَةَ إلَيْهِ وَهِيَ مُتَنَقِّلَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الطَّلاَقِ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ يَمْلِكُهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ إذَا مِتُّ فَانْتَقِلِي حَيْثُ شِئْت فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي غَيْرِهِ. قَالَ وَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهَا فِيمَا وَصَفْت فَنَوَتْ هِيَ النُّقْلَةَ وَقَالَتْ أَنَا أَنْتَقِلُ وَلَمْ يَنْوِ هُوَ النُّقْلَةَ. وَقَالَ هُوَ إنَّمَا أَرْسَلْتُك زَائِرَةً. ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ فَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ النُّقْلَةَ لَيْسَتْ لَهَا إلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ وَإِذْنُهُ لَهَا فِي الْمِصْرِ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَإِلَى أَيْنَ شَاءَتْ سَوَاءٌ إنْ أَذِنَ لَهَا فِي النُّقْلَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إلَّا أَنْ يُرَاجِعَهَا فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهَا. وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الزِّيَارَةِ أَوْ النُّزْهَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ وَالنُّزْهَةَ لَيْسَتْ بِنَقْلَةٍ وَلَوْ انْتَقَلَتْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا وَلاَ لَهُ وَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ فَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهِ. قَالَ وَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا. لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ فَفَارَقَتْ الْمِصْرَ أَوْ لَمْ تُفَارِقْهُ إلَّا أَنَّهَا قَدْ فَارَقَتْ مَنْزِلَهُ بِإِذْنِهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَمْضِيَ فِي وَجْهِهَا وَتُقِيمَ فِيهِ مَقَامَ الْحَاجِّ وَلاَ تَزِيدُ فِيهِ وَتَعُودَ مَعَ الْحَاجِّ فَتُكْمِلَ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا فِي مَنْزِلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهَا فِي هَذَا أَنْ تُقِيمَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي بَلَدٍ غَيْرِهَا إذَا قَضَتْ الْحَجَّ فَتَكُونُ هَذِهِ كَالنُّقْلَةِ وَتُقِيمُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَجَّةُ الْإِسْلاَمِ وَتَكُونَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا إلَى سَفَرٍ يَكُونُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ وَلَمْ تَبْلُغْ السَّفَرَ حَتَّى طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ فَتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهِ. وَلَوْ بَلَغَتْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَقَدْ سَمَّى لَهَا وَقْتًا تُقِيمُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ قَالَ زُورِي أَهْلَك فَنَوَتْ هِيَ النُّقْلَةَ أَوْ لَمْ تَنْوِهَا أَوْ خَرَجَتْ إلَيْهِ فَلاَ أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهَا هِيَ فِي النُّقْلَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَتِمُّ لَهَا إلَّا بِقَوْلِهِ قَبْلَ الطَّلاَقِ أَوْ الْمَوْتِ قَدْ أَذِنْت لَهَا فِي النُّقْلَةِ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَهِيَ مُنْتَقِلَةٌ تَعْتَدُّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِي النُّقْلَةِ إلَيْهِ وَلاَ تَعْتَدُّ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ فَقَالَتْ هِيَ قَدْ أَذِنَ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَتَعْتَدُّ حَيْثُ أَذِنَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ إذَا كَانَتْ هِيَ قَدْ انْتَقَلَتْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ أَوْ يَمُوتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْهُ وَلاَ إكْذَابُهَا وَإِنْ أَكْذَبُوهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي إلَى مِصْرِ كَذَا أَوْ مَوْضِعِ كَذَا فَخَرَجَتْ إلَيْهِ أَوْ مَنْزِلِ كَذَا مِنْ مِصْرٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا حُجِّي وَلاَ أَقِيمِي وَلاَ تَرْجِعِي مِنْهُ وَلاَ لاَ تَرْجِعِي إلَّا أَنْ تَشَائِي وَلاَ تَزُورِي فِيهِ أَهْلَك أَوْ بَعْضَ مَعْرِفَتِك وَلاَ تَتَنَزَّهِي إلَيْهِ. كَانَتْ هَذِهِ نَقْلَةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ طَلاَقِهِ وَوَفَاتِهِ إلَّا أَنْ تُقِرَّ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ الْإِذْنَ إنَّمَا كَانَ لِزِيَارَةٍ أَوْ لِمُدَّةٍ نُقِيمُهَا فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إذَا بَلَغَهَا الْوَفَاةُ فَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهِ وَفِي مَقَامِهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي أَمَرَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى مُدَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَقَدْ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَرْجِعْ وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَا لاَ تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا رَجَعَتْ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ زِيَارَةٌ لاَ نَقْلَةٌ إلَى مُدَّةٍ فَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ أَحَاطَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَقْلَةٍ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي الْمِصْرِ اُسْكُنِي هَذَا الْبَيْتَ شَهْرًا أَوْ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. كَانَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ فِي السَّفَرِ أَقِيمِي فِي بَلَدِ كَذَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَهَذَا كُلُّهُ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَمُتَوَفًّى عَنْهَا سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ لِزَوْجِ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَيَنْقُلَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ إلَى حَيْثُ شَاءَ، وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ أَوْ مِنْ سَفَرٍ أَذِنَ لَهَا إلَيْهِ أَوْ مِنْ مَنْزِلٍ حَوَّلَهَا إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ عِنْدِي كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ فِي الَّتِي لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا. قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَوْ الْمُطَلَّقَةُ طَلاَقًا بَائِنًا بَدْوِيَّةً لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا حَتَّى يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَإِنْ انْتَوَى أَهْلُهَا انْتَوَتْ وَذَلِكَ أَنَّ هَكَذَا سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إنَّمَا سَكَنُهُمْ سَكَنُ مَقَامٍ مَا كَانَ الْمَقَامُ غِبْطَةً فَإِذَا كَانَ الِانْتِوَاءُ غِبْطَةً انْتَوَوْا. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدْوِيَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنَّهَا تَنْتَوِي حَيْثُ يَنْتَوِي. أَهْلُهَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا أَنْ تَنْتَوِيَ لِأَنَّ سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ هَكَذَا إنَّمَا هُوَ سَكَنُ مُقَامٍ غِبْطَةً وَظَعْنٍ غِبْطَةً، وَأَنَّ الظَّعْنَ إذَا أَجْدَبَ مَوْضِعُهَا أَوْ خَفَّ أَهْلُهَا عُذْرٌ بِأَنَّهَا تَبْقَى بِمَوْضِعٍ مَخُوفٍ أَوْ غَيْرِ سَتِيرٍ بِنَفْسِهَا وَلاَ مَعَهَا مَنْ يَسْتُرُهَا فِيهِ. قَالَ فَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَذَاءِ عَنْ أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ أَكْثَرَ وَذَلِكَ أَنْ يَتَهَدَّمَ الْمَسْكَنُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ وَتَحْدُثَ الْفِتْنَةُ فِي نَاحِيَتِهَا أَوْ الْمُكَاثَرَةُ أَوْ فِي مِصْرِهَا أَوْ تَخَافَ سُلْطَانًا أَوْ لُصُوصًا فَلَهَا فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْ الْمِصْرِ إنْ كَانَ عَامًّا فِي الْمِصْرِ وَعَنْ النَّاحِيَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا إلَى نَاحِيَةٍ آمَنَ مِنْهَا وَلِزَوْجِهَا أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ شَاءَ إذَا كَانَ مَوْضِعًا آمِنًا. وَيُجْبَرُ زَوْجُهَا عَلَى الْكِرَاءِ لَهَا إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ أَوْ غُصِبَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُخْرِجَ الْمَرْأَةَ فِي الْعِدَّةِ فِي كُلِّ مَا لَزِمَهَا مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ خُصُومَةٍ. قَالَ وَإِذَا أُخْرِجَتْ الْمَرْأَةُ فِيمَا يَلْزَمُهَا مِنْ حُكُومَةٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمِصْرِ فَانْقَضَى مَا أُخْرِجَتْ لَهُ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا حَيْثُ كَانَ فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي يُخْرِجُهَا إلَيْهِ بِالْمِصْرِ فَمَتَى انْصَرَفَتْ مِنْ عِنْدِهِ انْصَرَفَتْ إلَى بَيْتِهَا. قَالَ وَكُلُّ مَا جَعَلْت عَلَى الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ فِيهِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ قَضَيْت بِذَلِكَ فِي مَالِهِ إنْ غَابَ وَكُلُّ مَا جَعَلْت لِلزَّوْجِ تَصْيِيرُ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَازِلِ إذَا كَانَ الْعُذْرُ الَّذِي تَنْتَقِلُ بِهِ الْمَرْأَةُ جَعَلْت لِمَنْ أَسْكَنَهَا أَجْنَبِيًّا مُتَطَوِّعًا كَانَ الَّذِي أَسْكَنَهَا أَوْ السُّلْطَانُ وَلَمْ أَقْضِ عَلَى الزَّوْجِ بِكِرَاءِ سَكَنِهَا وَقَضَيْت عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ. قَالَ وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَأَسْكَنَهَا وَارِثُهُ مَنْزِلَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَوَارِثُهُ يَقُومُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ. فَأَمَّا امْرَأَةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً مَعَهُ فَكَالْمَرْأَةِ الْمُسَافِرَةِ لاَ تُخَالِفُهَا فِي شَيْءٍ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ وَرَجَعَتْ فَأَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ فَاعْتَدَّتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ فِي سَفِينَةٍ. قَالَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ خَرَجَ بِامْرَأَتِهِ إلَى بَادِيَةٍ زَائِرًا أَوْ مُتَنَزِّهًا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا فَاعْتَدَّتْ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالنُّقْلَةِ وَلاَ كَالسَّفَرِ يَأْذَنُ لَهَا بِهِ إلَى غَايَةٍ وَذَلِكَ مِثْل النَّقْلَةِ وَهَذِهِ زِيَارَةٌ لاَ نَقْلَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ وَسُكْنَى الْمُطَلَّقَةِ بِغَايَةٍ إذَا بَلَغَتْهَا الْمُعْتَدَّةُ حَلَّتْ وَخَرَجَتْ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِسُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَمَا وَصَفْت وَلَمْ يَذْكُرْ إحْدَادًا فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَحِدَّ كَانَ ذَلِكَ كَمَا أَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ فَرَضَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَالْهَيْئَةِ فَكَانَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُطَلَّقَةِ عِدَّةٌ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلِلْمُطَلَّقَةِ سَكَنٌ بِالْكِتَابِ وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالسُّنَّةِ كَمَا وَصَفْت وَعَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إحْدَادٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ. وَكَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ إذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى وَكَانَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالسُّنَّةِ وَبِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهُمَا مَعًا فِي عِدَّةٍ غَيْرِ ذَوَاتَيْ زَوْجَيْنِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ لاَ يَمْلِكُ زَوْجُهَا عَلَيْهِ فِيهِ الرَّجْعَةَ إحْدَادٌ كَهُوَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَأَحَبُّ إلَيَّ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ زَوْجُهَا فِيهِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ تَحِدُّ إحْدَادَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلاَقِ لِمَا وَصَفْت وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ أُوجِبَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي حَالٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلاَثَةِ. قَالَ «قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا. ثُمَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» «وَقَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْت أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنُكَحِّلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لاَ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْت لِزَيْنَبِ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ قَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلاَ شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَقْبِضُ بِهِ فَقَلَّمَا تَقْبِضُ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: الْحِفْشُ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الذَّلِيلُ مِنْ الشَّعْرِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَالْقَبْصُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ الدَّابَّةِ مَوْضِعًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا وَالْقَبْضُ الْأَخْذُ بِالْكَفِّ كُلِّهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَرْمِي بِالْبَعْرَةِ مِنْ وَرَائِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ الْغَايَةَ الَّتِي لَهَا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً زِمَامَ الزَّوْجِ بِطُولِ مَا حَدَثَ عَلَيْهِ كَمَا تَرَكَتْ الْبَعْرَةَ وَرَاءَ ظَهْرِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَوْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ الزَّوْجُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَنَةً فَأَقَرَّ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ وَأَسْقَطَ عَنْهُنَّ فِي غَيْرِ عِدَدِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ الْإِحْدَادُ فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَتَسْكُنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيَّ بَيْتٍ كَانَتْ فِيهِ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْدَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَدَنِ وَتَرْكٌ لِزِينَةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ بِزِينَةٍ أَوْ طِيبٍ مَعَهَا عَلَيْهَا يَظْهَرُ بِهَا فَيَدْعُوَ إلَى شَهْوَتِهَا فَأَمَّا اللُّبْسُ نَفْسُهُ فَلاَ بُدَّ مِنْهُ. قَالَ فَزِينَةُ الْبَدَنِ الْمُدْخَلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ الدُّهْنُ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ فَلاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ طِيبٍ وَلاَ غَيْرِهِ زَيْتٍ وَلاَ شَيْرَقٍ وَلاَ غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ الْأَدْهَانِ تَقُومُ مَقَامًا وَاحِدًا فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ، وَإِذْهَابُ الشَّعْرِ كَرُّهَا وَذَلِكَ هُوَ الزِّينَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ وَهَكَذَا رَأَيْت الْمُحْرِمَ يَفْتَدِي بِأَنْ يَدْهُنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنِ طِيبٍ لِمَا وَصَفْت مِنْ التَّرْجِيلِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ. قَالَ فَأَمَّا بَدَنُهَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَدْهُنَهُ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ مَا لاَ طِيبَ فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ كَمَا لاَ يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَادُّ تُخَالِفُ الْمُحْرِمَ فِي بَعْضِ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ زِينَةٍ لِلْبَدَنِ وَلاَ طِيبٍ تَظْهَرُ رِيحُهُ فَيَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا، فَأَمَّا الدُّهْنُ الطَّيِّبُ وَالْبَخُورُ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ لِبَدَنِهَا لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ طِيبٌ يَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا وَيُنَبِّهُ بِمَكَانِهَا وَإِنَّمَا الْحَادُّ مِنْ الطِّيبِ شَيْءٌ أَذِنَتْ فِيهِ الْحَادُّ وَالْحَادُّ إذَا مَسَّتْ الطِّيبَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِدْيَةٌ وَلَمْ يُنْتَقَضْ إحْدَادُهَا وَقَدْ أَسَاءَتْ. قَالَ وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلاَ خَيْرَ فِيهِ لَهَا مِثْلُ الْإِثْمِدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ فِي عَيْنِهَا، فَأَمَّا الْكُحْلُ الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَلاَ بَأْسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ زِينَةٌ بَلْ هُوَ يَزِيدُ الْعَيْنَ مُرَّهَا وَقُبْحَهَا وَمَا اضْطَرَّتْ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنْ الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ اللَّيْلَ وَمَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ وَمَا أَرَادَتْ بِهِ الدَّوَاءَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الصَّبْرُ يُصَفِّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ يُطَيِّبُ وَأُذِنَ لَهَا أَنْ تَجْعَلَهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ وَتَمْسَحَهُ بِالنَّهَارِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ فِي بَدَنِهَا شَيْءٌ لاَ يُرَى فَجَعَلَتْ عَلَيْهِ الصَّبْرَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِيهِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لاَ يُرَى وَأَمَرَهَا بِمَسْحِهِ بِالنَّهَارِ. قَالَ وَفِي الثِّيَابِ زِينَتَانِ: إحْدَاهُمَا جَمَالُ الثِّيَابِ عَلَى اللَّابِسِ الَّتِي تَجْمَعُ الْجَمَالَ وَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ الثِّيَابُ فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا وَإِذَا أَفْرَدَتْ الْعَرَبُ التَّزْيِينَ عَلَى بَعْضِ اللَّابِسِينَ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّمَا تَقُولُ تَزَيَّنَّ مَنْ زَيَّنَ الثِّيَابَ الَّتِي هِيَ الزِّينَةُ بِأَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّبْغِ خَاصَّةً وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ وَإِنْ جَادَ مِنْ الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ، وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا نُسِجَ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَوْبٍ مَنْسُوجٍ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صِبْغٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ مَرْوِيِّ إبْرَيْسَمٍ أَوْ حَشِيشٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صِبْغٍ لَمْ يُرَدْ بِهِ تَزْيِينُ الثَّوْبِ مِثْلُ السَّوَادِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّ مَنْ صَبَغَ بِالسَّوَادِ إنَّمَا صَبَغَهُ لِتَقْبِيحِهِ لِلْحُزْنِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا صُبِغَ لِغَيْرِ تَزْيِينِهِ إمَّا لِتَقْبِيحِهِ وَإِمَّا لِنَفْيِ الْوَسَخِ عَنْهُ مِثْلُ الصِّبَاغِ بِالسِّدْرِ وَصِبَاغِ الْغَزْلِ بِالْخُضْرَةِ تُقَارِبُ السَّوَادَ لاَ الْخُضْرَةِ الصَّافِيَةِ وَمَا فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ فَأَمَّا كُلُّ صِبَاغٍ كَانَ زِينَةً أَوْ وَشْيٍ فِي الثَّوْبِ بِصِبْغٍ كَانَ زِينَةً أَوْ تَلْمِيعٍ كَانَ زِينَةً مِثْلَ الْعَصْبِ وَالْحِبَرَةِ وَالْوَشْيِ وَغَيْرِهِ فَلاَ تَلْبَسُهُ الْحَادَّ غَلِيظًا كَانَ أَوْ رَقِيقًا. قَالَ وَالْحُرَّةُ الْكَبِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالذِّمِّيَّةُ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ فِي الْإِحْدَادِ كُلُّهُنَّ سَوَاءٌ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْدَادُ لاَ يَخْتَلِفْنَ. وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ تَكُونُ بِإِحْدَادٍ أَنْ لاَ تَعْتَدَّ امْرَأَةٌ بِغَيْرِ إحْدَادٍ لِأَنَّهُنَّ إنْ دَخَلْنَ فِي الْمُخَاطَبَاتِ بِالْعِدَّةِ دَخَلْنَ فِي الْمُخَاطَبَاتِ بِالْإِحْدَادِ وَلَوْ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ الْإِحْدَادَ فِي عِدَّتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ أَوْ فِي بَعْضِهَا كَانَتْ مُسِيئَةً وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ إحْدَادًا لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْدَادِ فِي الْعِدَّةِ فَإِذَا مَضَتْ أَوْ مَضَى بَعْضُهَا لَمْ تَعُدْ لِمَا مَضَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَوْ الْمُطَلَّقَةُ مُغْمًى عَلَيْهَا أَوْ مَجْنُونَةً فَمَضَتْ عِدَّتُهَا وَهِيَ بِتِلْكَ الْحَالِ لاَ تَعْقِلُ حَلَّتْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ وَلاَ إحْدَادٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا هِيَ وَقْتٌ يَمُرُّ عَلَيْهَا تَكُونُ فِيهِ مُحْتَبِسَةً عَنْ الْأَزْوَاجِ كَمَا تَكُونُ الزَّكَاةُ فِي وَقْتٍ إذَا مَرَّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةٌ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْتُوهًا أَوْ كَانَ يَعْقِلُ لِأَنَّهُ لاَ عَمَلَ لَهُ فِي وَقْتٍ يَمُرُّ عَلَيْهِ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْمَعْتُوهِ الْعَمَلُ فِي الصَّلاَةِ سَقَطَ عَنْ الْمُعْتَدَّةِ الْعَمَلُ فِي الْإِحْدَادِ، وَيَنْبَغِي لِأَهْلِهَا أَنْ يَجْتَنِبُوهَا فِي عِدَّتِهَا مَا تَجْتَنِبُ الْحَادُّ، وَعِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُطَلَّقَةِ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا فَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا طَلاَقٌ وَلاَ وَفَاةٌ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَأْتِهَا طَلاَقٌ وَلاَ وَفَاةٌ حَتَّى يَمْضِيَ بَعْضُ عِدَّتِهَا أَكْمَلَتْ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا حَادَّةً وَلَمْ تُعِدْ مَا مَضَى مِنْهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ بَلَغَهَا يَقِينُ وَفَاتِهِ أَوْ طَلاَقِهِ وَلَمْ تَعْرِفْ الْيَوْمَ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ وَلاَ مَاتَ عَنْهَا اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ اسْتَيْقَنَتْ بِطَلاَقِهِ وَوَفَاتِهِ حَتَّى تُكْمِلَ عِدَّتَهَا وَلَمْ تَعْتَدَّ بِمَا تَشُكُّ فِيهِ كَأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهَا أَنَّهُ مَاتَ فِي رَجَبٍ وَقَالُوا لاَ نَدْرِي فِي أَيِّ رَجَبٍ مَاتَ فَتَعْتَدُّ فِي آخِرِ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ رَجَبٍ فَاسْتَقْبَلَتْ بِالْعِدَّةِ شَعْبَانَ وَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ فِي آخِرِ سَاعَاتِ نَهَارِهِ حَلَّتْ فَكَانَتْ قَدْ اسْتَكْمَلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ أَنَّ طُلَيْحَةَ كَانَتْ تَحْتَ رَشِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الَّذِي تَزَوَّجَ بِهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَكَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ ثُمَّ لَمْ يَنْكِحْهَا أَبَدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ سَعِيدٌ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَضَى فِي الَّتِي تَزَوَّجَ فِي عِدَّتِهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَتُكْمِلُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَتَعْتَدُّ مِنْ الْآخَرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَاعْتَدَّتْ مِنْهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ عِدَّتِهَا نَكَحَهَا رَجُلٌ فِي آخِرِ عِدَّتِهَا جَهِلاَ ذَلِكَ وَبَنَى بِهَا فَأَبَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه فِي ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا الْأُولَى ثُمَّ تَعْتَدَّ مِنْ هَذَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ نَكَحَتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَلاَ قَالَ وَبِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ نَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ تَنْكِحُ فِي عِدَّتِهَا تَأْتِي بِعِدَّتَيْنِ مَعًا وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ نَقُولُ إنَّهُ يَكُونُ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ أَنَّا إذَا جَعَلْنَا النِّكَاحَ الْفَاسِدَ يَقُومُ مَقَامَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا إذَا أُصِيبَتْ عِدَّةٌ كَعِدَّتِهَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَنَكَحَتْ امْرَأَةٌ فِي عِدَّتِهَا فَأُصِيبَتْ فَقَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةُ الزَّوْجِ الصَّحِيحِ ثُمَّ لَزِمَهَا عِدَّةٌ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَكَانَ عَلَيْهَا حَقَّانِ بِسَبَبِ زَوْجَيْنِ وَلاَ يُؤَدِّيهِمَا عَنْهَا إلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِمَا مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ حَقَّيْنِ لَزِمَاهَا مِنْ وَجْهَيْنِ لاَ يُؤَدِّيهِمَا عَنْ أَحَدٍ لَزِمَاهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلُقَتْ أَوْ مِيَتٌ عَنْهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ فَسَخَ نِكَاحَهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْآخَرُ لَمْ يُصِبْهَا أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَلاَ يَبْطُلُ عَنْهَا مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا فِيهَا النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهَا وَلَمْ تُصَبْ فَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا أَحْصَتْ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا قَبْلَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الْآخَرِ وَأَبْطَلَتْ كُلَّ مَا مَضَى مِنْهَا بَعْدَ إصَابَتِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَاسْتَأْنَفَتْ الْبُنْيَانَ عَلَى عِدَّتِهَا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ إصَابَتِهِ مِنْ يَوْمِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى تُكْمِلَ عِدَّتَهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً أُخْرَى مِنْ الْآخَرِ فَإِذَا أَكْمَلَتْهَا حَلَّتْ مِنْهَا، وَالْآخَرُ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ إذَا مَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَبَعْدُ لاَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْقِدُ عَلَيْهَا النِّكَاحَ الْفَاسِدَ فَيَكُونُ خَاطِبًا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلاَ يَكُونُ دُخُولُهُ بِهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَكْثَرَ مِنْ زِنَاهُ بِهَا وَهُوَ لَوْ زَنَى بِهَا فِي الْعِدَّةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ. قَالَ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ فَلِلْآخِرِ أَنْ يَخْطُبَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ كَفَّ عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ النَّاكِحُ فِي عِدَّتِهَا الْمُصَابَةُ لاَ تَحِيضُ فَاعْتَدَّتْ مِنْ الْأَوَّلِ شَهْرَيْنِ ثُمَّ نَكَحَهَا الْآخَرُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا لَهَا اسْتَأْنِفِي شَهْرًا مِنْ يَوْمِ فَارَقَك تُكْمِلِينَ بِهِ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ اعْتَدَدْت فِيهِ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَحَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تُكْمِلَ الشَّهْرَيْنِ سَقَطَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ وَابْتَدَأَتْ مِنْ الْأَوَّلِ عِدَّتَهَا ثَلاَثَ حِيَضٍ إذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ حَلَّتْ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَتْ فِي حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ خَلِيَّةً مِنْ الْأَوَّلِ وَغَيْرَ مُعْتَدَّةٍ مِنْ الْآخَرِ وَلِلْآخِرِ أَنْ يَخْطُبَهَا فِي حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهَا اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ ثَلاَثَةَ أَطْهَارٍ وَإِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ بَعْدَ مَا تُكْمِلُ الطُّهْرَ الثَّالِثَ حَلَّتْ مِنْ الْآخَرِ أَيْضًا لِجَمِيعِ الْخُطَّابِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ فَاعْتَدَّتْ حَيْضَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ فَحَمَلَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا اعْتَدَّتْ بِالْحَمْلِ فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَتْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا الْآخَرُ فَأَكْثَرَ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ دَعَا لَهُ الْقَافَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ سَاعَةً مِنْ يَوْمِ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ فَكَانَ طَلاَقُهُ لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ لِلْآخِرِ وَإِنْ كَانَ طَلاَقُهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَتَدَاعَيَاهُ أَوْ لَمْ يَتَدَاعَيَاهُ وَلَمْ يُنْكِرَاهُ، وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا يَفْتُوك الْقَافَةُ فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقُوهُ بِهِ لَحِقَ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَحَلَّ لِلْآخِرِ خِطْبَتُهَا وَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنْ الْآخَرِ فَإِذَا قَضَتْهَا حَلَّتْ خِطْبَتُهَا لِلْأَوَّلِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْآخَرِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ وَتَبْتَدِئُ فَتُكْمِلُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَلِلْأَوَّلِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ إنْ كَانَ طَلاَقُهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِنْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا أَوْ لَمْ تَكُنْ قَافَةٌ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَرَاهُ الْقَافَةُ أَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلَمْ تَرَهُ الْقَافَةُ فَلاَ يَكُونُ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَلَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَوُلِدَ فَمَلَكَهُ ثُمَّ مَاتَ وَقَفَ عَنْهُمَا مَعًا حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ بَعْدَ وِلاَدَةٍ وَقَبْلَ مَوْتِ قَرِيبٍ لَهُ يَرِثُهُ الْمَوْلُودُ وَقَفَ لَهُ مِيرَاثُهُ حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فَإِنْ لَمْ يُتَبَيَّنْ أَمْرُهُ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا مِنْ مِيرَاثِهِ مَنْ لاَ يُعْرَف وَارِثٌ لَهُ أَوْ لَيْسَ بِوَارِثٍ. قَالَ الرَّبِيعُ فَإِنْ لَمْ يُلْحِقَاهُ بِأَحَدٍ مِنْهُمَا رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَا عَلَيْهَا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عِدَّتِهَا بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَنَفَقَةُ أَمَةٍ حُبْلَى فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى النَّفَقَةَ لِلْحَامِلِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَيْهِمَا مَعًا فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْ نَفَقَتِهَا وَإِنْ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ الَّذِي نُفِيَ عَنْهُ عَلَى الَّذِي لَحِقَ بِهِ بِمَا سَقَط مِنْ نَفَقَتِهَا وَالْقَوْلُ فِي رَضَاعِهِ حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ كَالْقَوْلِ فِي نَفَقَةِ أُمِّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَأَمَّا أَنَا فَلاَ أَرَى عَلَى النَّاكِحِ نِكَاحًا فَاسِدًا نَفَقَةً فِي الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ الصَّحِيحِ النِّكَاحِ فَلاَ آخُذُهُ بِنَفَقَتِهَا حَتَّى تَلِدَ فَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ أَعْطَيْتهَا نَفَقَةَ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا هُوَ وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ لَمْ آخُذْهُ بِنَفَقَةٍ حَتَّى يَنْتَسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ فَأُعْطِيَهَا النَّفَقَةَ، وَإِنْ أُلْحِقَ بِصَاحِبِهِ فَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ أَمْرُ الْوَلَدِ مُشْكِلاً كَمَا وَصَفْت فَقَدْ انْقَضَتْ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَتَسْتَأْنِفُ الْأُخْرَى بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَلاَ رَجْعَةَ لِلْأَوَّلِ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ الْأُخْرَى بَعْدَ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا قُلْت تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ لِأَنِّي لاَ أَدْرِي الْعِدَّةَ بِالْحَمْلِ مِنْ الْأَوَّلِ هِيَ فَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِنْ الْآخَرِ فَتَبْنِي فَلَمَّا أَشْكَلَتْ جَعَلْنَاهَا تَسْتَأْنِفُ وَتَلْغِي مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْحَمْلِ وَلاَ يَكُونُ الْآخَرُ خَاطِبًا حَتَّى يَنْقَضِيَ آخِرُ عِدَّتِهَا. قَالَ الرَّبِيعُ وَهَذَا إذَا أَنْكَرَاهُ جَمِيعًا فَأَمَّا إذَا ادَّعَيَاهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَلْزَمُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَرَيْته الْقَافَةَ وَأَلْحَقَتْهُ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ وَلاَ حَدَّ عَلَى الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنْ قِبَلِ أَنْ يَعْزِيَهُ إلَى أَبٍ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَبٌ غَيْرُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَهَكَذَا الْقَوْلُ لَوْ نَكَحَتْ ثَلاَثَةً أَوْ أَرْبَعَةً فَمَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَمِنْ كُلِّ مَنْ أَصَابَهَا مِمَّنْ بَعْدَهُ وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا مِمَّنْ لَمْ يُصِبْهَا مِنْهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ كَانَ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا فَاسِدَيْنِ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَهَكَذَا كُلُّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِي الشُّهُورِ وَحَيْضَتَانِ فِي الْحَيْضِ وَمِثْلُهَا فِي وَضْعِ الْحَمْلِ فَتَصْنَعُ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِثْلَ مَا تَصْنَعُ الْحُرَّةَ فِي عِدَّتِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَنَكَحَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ طَلُقَتْ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا وَأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وَلاَ لِلْآخِرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الآيَةَ. وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُطَلَّقَاتِ جُمْلَةً لَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُنَّ مُطَلَّقَةً دُونَ مُطَلَّقَةٍ فَجَعَلَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ أَنْ يُسْكِنُوهُنَّ مِنْ وُجْدِهِنَّ وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يَخْرُجْنَ إلَّا بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَيَحِلُّ إخْرَاجُهُنَّ، فَكَانَ مَنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الآيَةِ مِنْ الْأَزْوَاجِ يَحْتَمِلُ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ مِنْ بَيْتِهَا مَنْعُهَا السُّكْنَى لِأَنَّ السَّاكِنَ إذَا قِيلَ أُخْرِجَ مِنْ مَسْكَنِهِ فَإِنَّمَا قِيلَ مِنْهُ مَسْكَنُهُ وَكَمَا كَانَ كَذَلِكَ إخْرَاجُهُ إيَّاهَا وَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا بِامْتِنَاعِهَا مِنْ السَّكَنِ فِيهِ وَسَكَنِهَا فِي غَيْرِهِ فَكَانَ هَذَا الْخُرُوجَ الْمُحَرَّمَ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ رَضِيَا بِالْخُرُوجِ مَعًا أَوْ سَخِطَاهُ مَعًا أَوْ رَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجُ وَلاَ لِلرَّجُلِ إخْرَاجُهَا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ مِنْ أَنْ تَأْتِيَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَفِي الْعُذْرِ فَكَانَ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ هَذَا تَعَبُّدًا لَهُمَا، وَقَدْ يَحْتَمِلُ مَعَ التَّعَبُّدِ أَنْ يَكُونَ لِتَحْصِينِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي الْعِدَّةِ وَوَلَدٍ إنْ كَانَ بِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِسْكَانِهِنَّ وَأَنْ لاَ يُخْرَجْنَ وَلاَ يَخْرُجْنَ مَعَ مَا وَصَفْت أَنْ لاَ يَخْرُجْنَ بِحَالٍ لَيْلاً وَلاَ نَهَارًا وَلاَ لِمَعْنًى إلَّا مَعْنَى عُذْرٍ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ هَذَا الْمَذْهَبَ فَقَالَ لاَ يَخْرُجْنَ لَيْلاً وَلاَ نَهَارًا بِحَالٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَوْ فَعَلَتْ هَذَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَكَانَ احْتِيَاطًا لاَ يَبْقَى فِي الْقَلْبِ مَعَهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ إيجَابِ هَذَا عَلَيْهَا مَعَ احْتِمَالِ الآيَةِ لِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ إيجَابِهِ عَلَى مَا قَالَ مَا وَصَفْنَا مِنْ احْتِمَالِ الْآيَاتِ قَبْلُ لِمَا وَصَفْنَا، وَأَنَّ عَبْدَ الْمَجِيدِ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ طَلُقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلاً لَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ فَأَتَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلَى فَجِدِّي نَخْلَك لَعَلَّك أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: نَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْجِدَادُ إنَّمَا تَكُونُ نَهَارًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «اسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَآمَ نِسَاؤُهُمْ وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ فِي دَارٍ فَجِئْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّا نَسْتَوْحِشُ بِاللَّيْلِ أَفَنَبِيتُ عِنْدَ أَحَدِنَا فَإِذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّدْنَا إلَى بُيُوتِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ فَإِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إلَى بَيْتِهَا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لاَ يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَبِيتَ لَيْلَةً وَاحِدَةً إذَا كَانَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ طَلاَقٍ إلَّا فِي بَيْتِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِذَا بَذَتْ فَقَدْ حَلَّ إخْرَاجُهَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ اتَّقِي اللَّهَ يَا فَاطِمَةُ فَقَدْ عَلِمْت فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ: قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَالَك عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ. ثُمَّ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي فَاعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَسَأَلْت عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِهَا فَدُفِعْت إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَسَأَلْته عَنْ الْمَبْتُوتَةِ؟ فَقَالَ تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَقُلْت: فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ فَقَالَ هَاهْ وَوَصَفَ أَنَّهُ تَغَيَّظَ، وَقَالَ فَتَنَتْ فَاطِمَةُ النَّاسَ كَانَتْ لِلِسَانِهَا ذَرَابَةٌ فَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ وَسُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا يَذْكُرَانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ أَلْبَتَّةَ فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مَرْوَانُ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا، فَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي. وَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ أَوْ مَا بَلَغَك شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لاَ عَلَيْك أَنْ لاَ تَذْكُرَ شَأْنَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: إنْ كَانَ إنَّمَا بِك الشَّرُّ فَحَسْبُك مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ الشَّرِّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَةً لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ كَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَعَائِشَةُ وَمَرْوَانُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ يَعْرِفُونَ أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِأَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ كَمَا حَدَّثَتْ وَيَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِلشَّرِّ وَيَزِيدُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَتَبَيَّنُ اسْتِطَالَتَهَا عَلَى أَحْمَائِهَا وَيَكْرَهُ لَهَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا كَتَمَتْ فِي حَدِيثِهَا السَّبَبَ الَّذِي أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا خَوْفًا أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ سَامِعٌ فَيَرَى أَنَّ لِلْمَبْتُوتَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إذْ بَذَتْ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا تَأَوَّلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} هُوَ الْبَذَاءُ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا كَمَا تَأَوَّلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَبَيَّنَ إنَّمَا أَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا فَلَمْ يَقُلْ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْت وَلَكِنَّهُ حَصَّنَهَا حَيْثُ رَضِيَ إذْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ بِتَحْصِينِهَا. فَإِذَا بَذَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا فَجَاءَ مِنْ بَذَائِهَا مَا يَخَافُ تساعر بَذَاءَةٍ إلَى تساعر الشَّرِّ فَلِزَوْجِهَا إنْ كَانَ حَاضِرًا إخْرَاجُ أَهْلِهِ عَنْهَا فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُمْ أَخْرَجَهَا إلَى مَنْزِلٍ غَيْرِ مَنْزِلِهِ فَحَصَّنَهَا فِيهِ وَكَانَ عَلَيْهِ كِرَاؤُهُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْعُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمَنْزِلِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَانَ لِوَكِيلِهِ مِنْ ذَلِكَ مَالَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ كَانَ السُّلْطَانُ وَلِيَّ الْغَائِبِ يَفْرِضُ لَهَا مَنْزِلاً فَيُحَصِّنُهَا فِيهِ، فَإِنْ تَطَوَّعَ السُّلْطَانُ بِهِ أَوْ أَهْلُ الْمَنْزِلِ فَذَلِكَ سَاقِطٌ عَنْ الزَّوْجِ، وَلَمْ نَعْلَمْ فِيمَا مَضَى أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ أَكْرَى أَحَدًا مَنْزِلاً إنَّمَا كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ بِإِنْزَالِ مَنَازِلِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ مَعَ مَنَازِلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ بِهِ السُّلْطَانُ وَلاَ غَيْرُهُ فَعَلَى زَوْجِهَا كِرَاءُ الْمَنْزِلِ الَّذِي تَصِيرُ إلَيْهِ. وَلاَ يَتَكَارَى لَهَا السُّلْطَانُ إلَّا بِأَخَفِّ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ بَذَاؤُهَا حَتَّى يَخَافَ أَنْ يتساعر ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَهْلِ زَوْجِهَا عُذْرًا فِي الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ كَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَجِبَ حَدٌّ عَلَيْهَا فَتَخْرُجَ لِيُقَامَ عَلَيْهَا أَوْ حَقٌّ فَتَخْرُجَ لِحَاكِمٍ فِيهِ أَوْ يُخْرِجَهَا أَهْلُ مَنْزِلٍ هِيَ فِيهِ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا أَوْ يَنْهَدِمَ مَنْزِلُهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ أَوْ تَخَافَ فِي مَنْزِلٍ هِيَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْعُذْرِ فَلِلزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ صَيَّرَهَا وَإِسْكَانُهَا وَكِرَاءُ مَنْزِلِهَا. قَالَ وَإِنْ أَمَرَهَا أَنْ تُكَارِيَ مَنْزِلاً بِعَيْنِهِ فَتَكَارَتْهُ فَكِرَاؤُهُ عَلَيْهِ مَتَى قَامَتْ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا فَتَكَارَتْ مَنْزِلاً فَلَمْ يَنْهَهَا وَلَمْ يَقُلْ لَهَا أَقِيمِي فِيهِ فَإِنْ طَلَبَتْ الْكِرَاءَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ اسْتَقْبَلَ كِرَاءَ مَنْزِلِهَا مِنْ يَوْمِ تَطْلُبُهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَحَقٌّ لَهَا تَرَكَتْهُ وَعَصَتْ بِتَرْكِهَا أَنْ يُسْكِنَهَا فَلاَ يَكُونَ لَهَا وَهِيَ عَاصِيَةٌ سُكْنَى وَقَدْ مَضَتْ الْعِدَّةُ، وَإِنْ أَنْزَلَهَا مَنْزِلاً لَهُ بَعْدَ الطَّلاَقِ أَوْ طَلَّقَهَا فِي مَنْزِلٍ لَهُ أَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ زَائِرَةٌ فَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلٍ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ ثُمَّ فَلَّسَ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْمَنْزِلِ مِنْهُ وَمِنْ غُرَمَائِهِ كَمَا تَكُونُ أَحَقَّ بِهِ لَوْ أَكْرَاهَا وَأَخَذَ كِرَاءَهُ مِنْهَا مِنْ غُرَمَائِهِ أَوْ أَقَرَّ لَهَا بِأَنَّهَا تَمْلِكُ عَلَيْهِ السُّكْنَى قَبْلَ أَنْ يَقُومَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْزَلَهَا فِيهِ فَضْلٌ عَنْ سُكْنَاهَا كَانَتْ أَحَقَّ بِمَا يَكْفِيهَا وَيَسْتُرُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ وَكَانَ الْغُرَمَاءُ أَحَقَّ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ لِأَنَّهُ شَيْءٌ أَعْطَاهَا إيَّاهُ لَمْ يُسْتَحَقَّ أَصْلُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَهَبْهُ لَهَا فَتَكُونَ أَحَقَّ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَارِيَّةٌ، وَمَا أَعَارَ فَلَمْ يَمْلِكْهُ مَنْ أُعِيرَهُ فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ أُعِيرَهُ وَلَوْ كَانَ طَلاَقُهُ إيَّاهَا بَعْدَ مَا يَقِفُ السُّلْطَانُ مَالَهُ لِلْغُرَمَاءِ، كَانَتْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي كِرَاءِ مَنْزِلٍ بِقَدْرِ كِرَائِهِ وَيُحْصِنُهَا حَيْثُ يُكَارِي لَهَا، فَإِنْ كَانَ لِأَهْلِهَا مَنْزِلٌ أَوْ لِغَيْرِ أَهْلِهَا فَأَرَادَتْ نُزُولَهُ وَأَرَادَ إنْزَالَهَا غَيْرَهُ فَإِنْ تَكَارَى لَهَا مَنْزِلاً فَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُنْزِلَهَا حَيْثُ أَرَادَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَارَ لَهَا مَنْزِلاً وَلَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ أَرَادَ زَوْجُهَا بِلاَ مَنْزِلٍ يُعْطِيهَا إيَّاهُ حَيْثُ قَدَرَتْ إذَا كَانَ قُرْبَ ثِقَةٍ وَمَنْزِلاً سَتِيرًا مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ مَنْ لاَ يُخَافُ، فَإِنْ دَعَتْ إلَى حَيْثُ يُخَافُ مَنَعَتْهُ، وَلَوْ أَعْطَاهَا السُّلْطَانُ فِي هَذَا كُلِّهِ كِرَاءَ مَنْزِلٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَحَصَّنَهَا لَهُ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَكُلُّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ طَلَّقَ رَجُلٌ فِيهِ امْرَأَتَهُ مُسْلِمَةً حُرَّةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مَمْلُوكَةً فَهُوَ كَمَا وَصَفْت فِي الْحُرَّةِ إلَّا أَنَّ لِأَهْلِ الذِّمِّيَّةِ أَنْ يُخْرِجُوهَا فِي الْعِدَّةِ وَمَتَى أَخْرَجُوهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلاً وَلاَ سُكْنَى كَانَ طَلاَقُ زَوْجِهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَمْلِكُهَا. وَهَكَذَا كُلُّ زَوْجٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي النِّكَاحِ فَعَلَيْهِ مِنْ سُكْنَى امْرَأَتِهِ وَنَفَقَتِهَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً مَتْرُوكَةً مَعَهُ مَا عَلَى الْحُرِّ وَلَيْسَ نَفَقَتُهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ بِأَوْجَبَ مِنْ سُكْنَاهَا فِي الْفِرَاقِ وَنَفَقَتِهَا عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الطَّلاَقُ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي السُّكْنَى فَأَمَّا طَلاَقٌ يَمْلِكُ فِيهِ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَحَالُ الْمَرْأَةِ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ حَالُ امْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَيَقَعُ عَلَيْهَا إيلاَؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَبْذُوَ أَوْ يُرَاجِعَهَا فَيُحَوِّلَهَا حَيْثُ شَاءَ. وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ مُرَاجَعَتِهَا إنْ بَذَتْ عَلَيْهِ كَمَا تُخْرَجُ الَّتِي لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} الآيَةَ. إلَى {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} قَالَ فَكَانَ بَيِّنًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لاَ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَمَرَ بِالسُّكْنَى عَامًّا ثُمَّ قَالَ فِي النَّفَقَةِ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} دَلَّ عَلَى أَنَّ الصِّنْفَ الَّذِي أَمَرَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ مِنْهُنَّ صِنْفٌ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى أَنْ لاَ نَفَقَةَ عَلَى غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ لِمُطَلَّقَةٍ بِصِفَةٍ نَفَقَةً فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ نَفَقَةٌ لِمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ صِفَتِهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا وَسُكْنَاهَا وَأَنَّ طَلاَقَهُ وَإِيلاَءَهُ وَظِهَارَهُ وَلِعَانَهُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ كَانَتْ الْآيَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَاحِدَةٌ تُخَالِفُهَا إلَّا مُطَلَّقَةٌ لاَ يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَافٍ فِيمَا وَصَفْت مِنْ سُقُوطِ نَفَقَةِ الَّتِي لاَ يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا وَبِذَلِكَ جَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ مَالَك عَلَيْنَا نَفَقَةٌ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ نَفَقَةٌ». أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ مَا لَمْ تَحْرُمْ فَإِذَا حَرُمَتْ فَمَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ لَيْسَتْ الْمَبْتُوتَةُ الْحُبْلَى مِنْهُ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الْحَبَلِ فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ حُبْلَى فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ كَانَ زَوْجُهَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ، وَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ كَانَ زَوْجُهَا لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلاً فَيَكُونَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا مَا كَانَتْ حَامِلاً. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّ زَوْجٍ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَذِمِّيٍّ وَكُلُّ زَوْجَةٍ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ وَذِمِّيَّةٍ. قَالَ وَكُلُّ مَا وَصَفْنَا مِنْ مُتْعَةٍ لِمُطَلَّقَةٍ أَوْ سُكْنَى لَهَا أَوْ نَفَقَةٍ فَلَيْسَتْ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ. فَأَمَّا كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ مَنْسُوخًا فَلَيْسَتْ فِيهِ نَفَقَةٌ وَلاَ مُتْعَةٌ وَلاَ سُكْنَى وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَهْرٌ بِالْمَسِيسِ حَامِلاً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ. قَالَ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَأَدَعَّتْ حَبَلاً وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُحْصِيَ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا وَكَمْ نَفَقَةُ مِثْلِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ تِلْكَ الشُّهُورِ فَإِذَا وَلَدَتْ قَضَى لَهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَمْلَ لاَ يُعْلَمُ بِيَقِينٍ حَتَّى تَلِدَهُ. قَالَ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} يَحْتَمِلُ فَعَلَيْكُمْ نَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ لَيْسَتْ بِسَاقِطَةٍ سُقُوطَ مَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهُ غَيْرَ الْحَوَامِلِ. وَقَالَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ حَبَلٌ لَمْ يُوقَفْ لِلْحَبَلِ مِيرَاثُ رَجُلٍ وَلاَ مِيرَاثُ ابْنَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَدَدًا وَوَقَفْنَا الْمِيرَاثَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فَإِذَا بَانَ أَعْطَيْنَاهُ. وَهَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِحَبَلٍ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ غَائِبًا وَلاَ يُعْطَى إلَّا بِيَقِينٍ وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ أُرِيهَا النِّسَاءَ فَقُلْنَ بِهَا حَمْلٌ فَأَنْفَقْنَا عَلَيْهَا ثُمَّ انْفَشَّ فَعَلِمْنَا أَنْ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّا أَعْطَيْنَا مِنْ مَالِ الرَّجُلِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؟ وَإِنْ قَضَيْنَا بِرَدِّهِ فَنَحْنُ لاَ نَقْضِي بِشَيْءٍ مِثْلِهِ ثُمَّ نَرُدُّهُ؟ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ تُحْصِيَ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَيَرَاهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ بِهَا حَمْلٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَإِنْ قُلْنَ لاَ يَبِينُ أُحْصِيَ عَلَيْهَا وَتُرِكَتْ حَتَّى يَقُلْنَ قَدْ بَانَ فَإِذَا قُلْنَ قَدْ بَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِمَا مَضَى مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا إلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ لاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ وَضْعِهَا حَمْلَهَا إلَّا أَنْ تُرْضِعَ فَيُعْطِيَهَا أَجْرَ مِثْلِهَا فِي الرَّضَاعَةِ أَجْرًا لاَ نَفَقَةً، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ فَذُكِرَ لَهُ فَنَفَاهُ وَقَذَفَهَا لاَعَنَهَا وَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لاَعَنَهَا فَأَبْرَأْنَاهُ مِنْ النَّفَقَةِ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ الْحَمْلُ إنْ تَمَّ وَأُخِذَتْ مِنْهُ النَّفَقَةُ الَّتِي أُبْطِلَتْ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِالْكَذِبِ بَعْدَ رَضَاعِ الْوَلَدِ أَلْزَمْته رَضَاعَةً وَنَفَقَتَهُ، وَهَكَذَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ أَخَذْت مِنْهُ نَفَقَةَ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ وَالْوَلَدِ، وَإِذَا قَالَ الْقَوَابِلُ بِالْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا حَبَلٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِغَيْرِ أَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ جَبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَبَلٌ رَجَعَ عَلَيْهَا فِي الْحَالَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهَا إيَّاهُ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ مَا أَخَذَتْ مِنْهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَكُلُّ زَوْجَةٍ صَحِيحَةِ النِّكَاحِ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا بِحَالٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ وَالْمُبْتَدَأِ طَلاَقُهَا وَالْأَمَةِ تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ الْفِرَاقَ وَالرَّجُلِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِنَسَبٍ فَيُوجَدُ دُونَهُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَالْمَرْأَةُ تَغُرُّ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَتُوجَدُ أَمَةً أَوْ تَجِدُهُ أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مَجْنُونًا فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ أَوْ يَجِدُهَا كَذَلِكَ فَيُفَارِقُهَا فَتَكُونُ حَامِلاً فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ فَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَتُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. قَالَ وَكُلُّ نِكَاحٍ كَانَ فَاسِدًا بِكُلِّ حَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ تَرْضَ أَوْ كَارِهَةً فَحَمَلَتْ فَلَهَا الصَّدَاقُ بِالْمَسِيسِ وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلاَ الْحَمْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِيهَا قَوْلٌ: أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ نِكَاحًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَلَمَّا كَانَ إذَا طَلَّقَهَا غَيْرَ حَامِلٍ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً فَبَرِئَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ جُعِلَتْ النَّفَقَةُ لَوْ أَقَرَّ بِالْحَمْلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ كَانَتْ عِدَّتُهَا الشُّهُورَ فَحَاضَتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ ثُمَّ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ حَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا مِنْ الرِّيبَةِ وَكَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ حَتَّى تَطْعَنَ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ ارْتَابَتْ أَمْسَكَتْ عَنْ النِّكَاحِ وَوَقَفَ عَنْ نَفَقَتِهَا فَإِنْ بَانَ بِهَا حَبَلٌ كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِيمَنْ بَانَ بِهَا حَبَلٌ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى يَبِينَ أَوْ الْوَقْفِ حَتَّى تَضَعَ فَإِنْ انْفَشَّ مَا ظَنَّ مِنْ حَمْلِهَا رَدَّتْ مِنْ النَّفَقَةِ مَا أَخَذَتْ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. قَالَ وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا الشُّهُورَ فَارْتَابَتْ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفَانِ، وَلَوْ كَانَتْ عِدَّتُهَا الشُّهُورَ فَارْتَابَتْ أَمْسَكَتْ عَنْ الرِّيبَةِ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي الثَّلاَثَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا بَعْدَ الثَّلاَثَةِ وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا فَإِنْ ارْتَابَتْ بِحَمْلٍ أَمْسَكَتْ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا حَتَّى يَبِينَ ثُمَّ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْحَمْلِ إذَا بَانَ سَوَاءٌ مَنْ رَأَى أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ أَمْسَكَ حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ أَعْطَاهَا نَفَقَةً مِنْ يَوْمِ قَطَعَ النَّفَقَةَ عَنْهَا إلَى أَنْ وَضَعَتْ، وَمَنْ رَأَى أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا إذَا بَانَ الْحَمْلُ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ مُنْذُ أَمْسَكَ عَنْهَا إلَى أَنْ بَانَ بِهَا الْحَمْلُ وَمِنْ حِينِ بَانَ الْحَمْلُ إلَى أَنْ تَضَعَ فَإِنْ بَطَلَ الْحَمْلُ رَدَّتْ النَّفَقَةَ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ الْأَشْهُرِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ آخِرَ حَمْلِهَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَ وَضْعِ وِلاَدِهَا أَيَّامٌ. قَالَ وَإِنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ وَلاَ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا حَتَّى جَاوَزَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ فَلَمْ تَلِدْ رَدَّتْ النَّفَقَةَ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا لِأَنَّا لاَ نُلْحِقُ بِهِ الْحَمْلَ وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلاً مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} قَالَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ وَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَحْكَامًا مِنْهَا اللِّعَانُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلاَءُ وَوُقُوعُ الطَّلاَقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْته فِي أَنَّ ذَلِكَ لِكُلِّ زَوْجَةٍ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ غَائِبٍ وَحَاضِرٍ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنْ لاَ عِدَّةَ عَلَى زَوْجَةٍ إلَّا مِنْ وَفَاةٍ أَوْ طَلاَقٍ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} إلَى قَوْلِهِ: {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}. قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ لَوْ غَابَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَرًّا أَوْ بَحْرًا عُلِمَ مَغِيبُهُمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ فَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُسْمَعْ بِهِمَا بِخَبَرٍ أَوْ أَسَرَهُمَا الْعَدُوُّ فَصَيَّرُوهُمَا إلَى حَيْثُ لاَ خَبَرَ عَنْهُمَا لَمْ نُوَرِّثْ وَاحِدًا مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا بِيَقِينِ وَفَاتِهِ قَبْلَ صَاحِبِهِ. فَكَذَلِكَ عِنْدِي امْرَأَةُ الْغَائِبِ أَيَّ غِيبَةٍ كَانَتْ مِمَّا وَصَفْت أَوْ لَمْ أَصِفْ بِإِسَارِ عَدُوٍّ أَوْ بِخُرُوجِ الزَّوْجِ ثُمَّ خَفِيَ مَسْلَكُهُ أَوْ بِهُيَامٍ مِنْ ذَهَابِ عَقْلٍ أَوْ خُرُوجٍ فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ ذِكْرٌ أَوْ بِمَرْكَبٍ فِي بَحْرٍ فَلَمْ يَأْتِ لَهُ خَبَرٌ أَوْ جَاءَ خَبَرٌ أَنْ غَرِقَا كَأَنْ يَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ وَلاَ يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُ فِيهِ لاَ تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَلاَ تَنْكِحُ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَهَا يَقِينُ وَفَاتِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ اسْتَيْقَنَتْ وَفَاتَهُ وَتَرِثُهُ، وَلاَ تَعْتَدُّ امْرَأَةٌ مِنْ وَفَاةٍ وَمِثْلُهَا يَرِثُ إلَّا وَرِثَتْ زَوْجَهَا الَّذِي اعْتَدَّتْ مِنْ وَفَاتِهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ خَفِيُّ الْغَيْبَةِ بَعْدُ أَيْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كَانَتْ أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْحَاضِرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةُ رَجُلٍ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ تَعْتَدُّ لاَ مِنْ طَلاَقٍ وَلاَ وَفَاةٍ كَمَا لَوْ ظَنَّتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا لَمْ تَعْتَدَّ مِنْ طَلاَقٍ إلَّا بِيَقِينٍ وَهَكَذَا لَوْ تَرَبَّصَتْ سِنِينَ كَثِيرَةً بِأَمْرِ حَاكِمٍ وَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ الْمَفْقُودُ لَزِمَهَا الطَّلاَقُ، وَكَذَلِكَ إنْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ. وَهَكَذَا لَوْ تَرَبَّصَتْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ اعْتَدَّتْ فَأَكْمَلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَنَكَحَتْ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ نَكَحَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ لَمْ تَنْكِحْ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ الْمَفْقُودُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ لَزِمَهَا الطَّلاَقُ لِأَنَّهُ زَوْجٌ، وَهَكَذَا لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ قَذَفَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ فَرْجِهَا بِشُبْهَةٍ بِنِكَاحِ غَيْرِهِ فَلاَ يُقَالُ لَهُ فَيْءٌ حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ الْآخَرِ إذَا كَانَتْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا أُجِّلَ مِنْ يَوْمِ تُكْمِلُ عِدَّتَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ حِينَ حَلَّ لَهُ فَرْجُهَا وَإِنْ أَصَابَهَا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ طَلاَقِ الْإِيلاَءِ وَكَفَّرَ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا قِيلَ لَهُ أَصِبْهَا أَوْ طَلِّقْ. قَالَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ مِنْ حِينِ يُفْقَدُ حَتَّى يُعْلَمَ يَقِينُ مَوْتِهِ. قَالَ وَإِنْ أَجَّلَهَا حَاكِمٌ أَرْبَعَ سِنِينَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِيهَا وَكَذَلِكَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا فَإِذَا نَكَحَتْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لَهُ نَفْسَهَا، وَكَذَلِكَ لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ أَمْنَعْهَا النَّفَقَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا زَوْجَةُ الْآخَرِ وَلاَ أَنَّ عَلَيْهَا مِنْهُ عِدَّةً وَلاَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مِيرَاثًا وَلاَ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا طَلاَقُهُ وَلاَ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَّا لُحُوقُ الْوَلَدِ بِهِ إنْ أَصَابَهَا وَإِنَّمَا مَنَعْتهَا النَّفَقَةَ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مُخْرِجَةٌ نَفْسَهَا مِنْ يَدَيْهِ وَمِنْ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا تَقِفُ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ بِشُبْهَةٍ فَمَنَعْتهَا نَفَقَتَهَا فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا مَانِعَةً نَفْسَهَا بِالنِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ وَهِيَ لَوْ كَانَتْ فِي الْمِصْرِ مَعَ زَوْجٍ فَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا مَنَعْتهَا نَفَقَتَهَا بِعِصْيَانِهَا وَمَنَعْتهَا نَفَقَتَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ بِتَرْكِهَا حَقَّهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَإِبَاحَتِهَا نَفْسَهَا لِغَيْرِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ ثَبَتَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ فِي وَقْتٍ. رَدَّتْ كُلَّ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْ حِينِ مَاتَ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ، وَلَوْ حَكَمَ لَهَا حَاكِمٌ بِأَنْ تَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَتْ فُسِخَ نِكَاحُهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلاَ مَهْرَ لَهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَأَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لاَ مَا سَمَّى لَهَا وَفُسِخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ فَلاَ مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ وَلاَ لَهُ مِنْهَا وَإِنْ حُكِمَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمِيرَاثِ مِنْ صَاحِبِهِ رَدَّ الْمِيرَاثَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْمَيِّتَ رُدَّ مِيرَاثُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ وَقَفَ مِيرَاثُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُعْلَمَ أَحَيٌّ هُوَ فَيَرِثُهَا أَوْ مَيِّتٌ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهَا غَيْرِ زَوْجِهَا الْآخَرِ، وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ وَرِثَتْهُ وَأَخْرَجْنَاهَا مِنْ يَدَيْ الْآخَرِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ نَكَحَتْ فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا ثُمَّ جَاءَ الْأَوَّلُ كَانَ الْوَلَدُ وَلَدَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ فِرَاشٌ بِالشُّبْهَةِ وَرُدَّتْ عَلَى الزَّوْجِ وَمُنِعَ إصَابَتَهَا حَتَّى تَعْتَدَّ ثَلاَثَ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَحِيضُ لِإِيَاسٍ مِنْ الْمَحِيضِ أَوْ صِغَرٍ فَثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى فَأَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إلَّا اللِّبَأَ وَمَا إنْ تَرَكَتْهُ لَمْ يُغَذِّهِ مُرْضِعٌ غَيْرُهَا ثُمَّ يَمْنَعُهَا مَا سِوَى ذَلِكَ، وَلاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ عِدَّتِهَا وَلاَ رَضَاعِهَا وَلَدَ غَيْرِهِ شَيْئًا، وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ الْوَلَدَ وَقَدْ وَلَدَتْ وَهِيَ مَعَ الْآخَرِ أَرَيْته الْقَافَةَ. قَالَ وَمَتَى طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ عِنْدَ الزَّوْجِ الْآخَرِ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِ زَوْجٍ فَكَانَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فِي الْوَفَاةِ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ فِي الطَّلاَقِ وَفِيمَنْ رَآهُ لَهَا بِالْوَفَاةِ وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْآخَرُ لَمْ تَرِثْهُ وَكَذَلِكَ لاَ يَرِثُهَا لَوْ مَاتَتْ، وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ وَالْمَفْقُودُ وَلاَ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلاً لَمْ يَتَوَارَثَا كَمَا لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ خَفِيَ مَوْتُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنْ الْقَتْلَى وَالْغَرْقَى وَغَيْرِهِمْ إلَّا بِيَقِينِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ قَبْلَ الْأَوَّلِ فَيَرِثُ الْآخَرُ الْأَوَّلَ. وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالزَّوْجُ الْآخَرُ وَلاَ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلاً بَدَأَتْ فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَالْعِدَّةُ الْأُولَى بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَعْدُ ثَلاَثَ حِيَضٍ تُدْخِلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَلاَ يُجْزِئُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لِأَنَّهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ مَاتَ أَوَّلاً فَاعْتَدَّتْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا حَلَّتْ مِنْ الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الْآخَرُ فَاعْتَدَّتْ مِنْ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لِأَنَّهَا لاَ تَسْتَطِيعُ تَقْدِيمَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ حَمْلٍ مِنْ الْآخَرِ. قَالَ وَلَكِنْ لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ قَبْلُ فَاعْتَدَّتْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَأَتْ أَنَّ بِهَا حَمْلاً قِيلَ لَهَا تَرَبَّصِي فَإِنْ تَرَبَّصَتْ وَهِيَ تَرَاهَا حَامِلاً ثُمَّ مَرَّتْ بِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهِيَ تَحِيضُ فِي ذَلِكَ وَتَرَاهَا تَحِيضُ عَلَى الْحَمْلِ ثُمَّ حَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَبَانَ لَهَا أَنْ لاَ حَمْلَ بِهَا فَقَدْ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ عِدَّةً أُخْرَى تَحِدُّ فِيهَا كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَلاَ تَعْلَمُ هِيَ حَتَّى مَرَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قِيلَ لَهَا لَيْسَ عَلَيْك اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ أُخْرَى. وَهَكَذَا لَوْ مَاتَا مَعًا وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَثَلاَثُ حِيَضٍ بَعْدَ يَقِينِ مَوْتِهِمَا مَعًا لَمْ تَعُدْ لِعِدَّةٍ وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْآخَرِ اعْتَدَّتْ مِنْهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ فَإِنْ أَكْمَلَتْهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَإِنْ لَمْ تُكْمِلْهَا اسْتَقْبَلَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ يَوْمِ مَاتَ الْآخَرُ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ صَحِيحَةٌ. ثُمَّ اعْتَدَّتْ حَيْضَتَيْنِ تَكْمِلَةَ الْحِيَضِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ نِكَاحِ الْآخَرِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ مَاتَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ الْآخَرِ ثُمَّ قَدِمَ الْأَوَّلُ أَخَذَ مِيرَاثَهَا وَإِنْ لَمْ تَدَعْ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا إذَا لَمْ يَجِدْ امْرَأَتَهُ بِعَيْنِهَا فَلاَ حَقَّ لَهُ فِي مَهْرِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ قَالَ غَيْرُك هَذَا؟ قِيلَ: نَعَمْ وَرُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ هَذَا أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ تَحْفَظُ عَمَّنْ مَضَى مِثْلَ قَوْلِك فِي أَنْ لاَ تَنْكِحَ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ مَوْتَهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: إنَّهَا لاَ تَتَزَوَّجُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا قَدِمَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ هِيَ امْرَأَتُهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَلاَ تُخَيَّرُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا فَقَدَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَعْلَمَ أَمْرَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَلاَقًا يَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَوَرِثَتْ وَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَإِذَا مَاتَ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا: وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَجْتَنِبَ طِيبًا وَلاَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَلاَ لَهَا مِنْهُ مِنْ نَظَرٍ وَلاَ مِنْ تَلَذُّذٍ وَلاَ مِنْ خَلْوَةٍ شَيْءٌ حَتَّى يُرَاجِعَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ حَتَّى يُرَاجِعَهَا، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ وَكَانَتْ طَرِيقَهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا؟ قَالَ لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا. أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً وَعَبْدَ الْكَرِيمِ قَالاَ لاَ يَرَاهَا فَضْلاً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ ارْتِجَاعُهَا مَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَفِي نَفْسِهِ ارْتِجَاعُهَا؟ قَالَ سَوَاءٌ فِي الْحِلِّ إذَا كَانَ يُرِيدُ ارْتِجَاعَهَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَإِنْ أَصَابَهَا فِي الْعِدَّةِ فَقَالَ أَرَدْت ارْتِجَاعَهَا وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا وَتَعْتَدُّ مِنْ مَائِهِ الْآخَرِ وَتُحْصِي الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلاَقِ الْأَوَّلِ فَإِذَا أَكْمَلَتْ الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلاَقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ. وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تُكْمِلْهَا وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا مِنْ الْإِصَابَةِ الْآخِرَةِ وَلاَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الْإِصَابَةِ الْآخِرَةِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَخْطُبَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ مَائِهِ الْآخَرِ، وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْخَلْوَةِ مَعَهُ مَا أَكْرَهُ لِلَّتِي لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُصِيبَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا، فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ الطَّلاَقِ الْأَخِيرِ عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلاَقِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الشَّعْثَاءِ يَقُولُ تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ وَطَاوُسٌ وَحُسْنُ بْنُ مُسْلِمٍ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسَّهَا قَالَ سَعِيدٌ: يَقُولُونَ طَلاَقُهُ الْآخَرُ قَالَ سَعِيدٌ: وَكَانَ ذَلِكَ رَأْيَ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَرَى أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قَالَ هَذَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ، إنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} إنَّمَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ بِلاَ وَقْتٍ فَيُمْهِلُ الْمَرْأَةَ حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا فَنَزَلَ {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ عِدَّتَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا ارْتَجَعَهَا. ثُمَّ طَلَّقَهَا، قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ آوِيك إلَيَّ وَلاَ تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلاَقَ جَدِيدًا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ. قَالَ وَمَنْ قَالَ هَذَا انْبَغَى أَنْ يَقُولَ إنَّ رَجْعَتَهُ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ مُخَالِفٌ لِنِكَاحِهِ إيَّاهَا نِكَاحًا جَدِيدًا مُسْتَقْبَلاً. ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهَا فِي عِدَّتِهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ فِي بَعْضِ أَمْرِهَا. وَإِنَّمَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مَسَّ قَبْلَ الطَّلاَقِ الَّذِي أَتْبَعَهُ هَذَا الطَّلاَقَ فَلَزِمَ فَحُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلاَقِ الْوَاحِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَيُّ امْرَأَةٍ طَلُقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ اعْتَدَّتْ. وَمَنْ قَالَ هَذَا أَشْبَهَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً فَيَقُولَ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ. ثُمَّ أَتْبَعَهَا أُخْرَى اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْآخِرَةِ وَلَمْ يُبَالِ أَنْ لاَ يُحْدِثَ بَيْنَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَلاَ مَسِيسًا، وَمَنْ قَالَ هَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَتَحِيضُ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَإِنْ كَانَ طَلاَقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ وَوَرِثَتْ كَمَا تَعْتَدُّ الَّتِي لَمْ تَطْلُقْ وَتَرِثُ وَلَوْ كَانَ طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لَمْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ وَفَاةٍ وَلَمْ تَرِثْ إنْ طَلَّقَهَا صَحِيحًا. وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَوَرِثَتْهُ لَمْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ وَقَدْ قِيلَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا. ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلاَقِ الْأَوَّلِ وَلاَ تَعْتَدُّ مِنْ الطَّلاَقِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ وَإِنْ ارْتَجَعَهَا فَقَدْ كَانَتْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ إلَّا بِأَنْ يَرْتَجِعَهَا كَمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي الطَّلاَقِ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ إلَّا بِنِكَاحٍ وَلَوْ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا لَمْ تَعْتَدَّ فَكَذَلِكَ لاَ تَعْتَدُّ مِنْ طَلاَقٍ أَحْدَثَهُ لَهَا. وَإِنْ لَزِمَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُحْدِثْ رَجْعَةً. وَمَنْ قَالَ هَذَا ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ كَانَ إذَا ارْتَجَعَ فِي الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْعِدَّةِ لَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ وَإِلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} لِمَنْ رَاجَعَ ضِرَارًا فِي الْعِدَّةِ لاَ يُرِيدُ حَبْسَ الْمَرْأَةِ رَغْبَةً وَلَكِنْ عَضْلاً عَنْ أَنْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فَنَهَى عَنْ إمْسَاكِهِنَّ لِلْعَضْلِ ثُمَّ يُطَلِّقُهُنَّ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ الْآيَةَ قَبْلَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهَى عَنْ رَجْعَتِهِنَّ لِلْعَضْلِ لاَ لِلرَّغْبَةِ وَهَذَا مَعْنًى يَحْتَمِلُ الْآيَةَ وَلاَ يَجُوزُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ فَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ وَالْإِحْدَادِ مِثْلُ الْمُسْلِمَةِ لاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمَا وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ كَمَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ. قَالَ وَهَكَذَا الْمَجُوسِيَّةُ تَحْتَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيَّةُ تَحْتَ الْوَثَنِيِّ لِأَزْوَاجِهِنَّ عَلَيْهِنَّ مِنْ الرَّجْعَةِ مَا لِزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ وَعَلَيْهِنَّ مِنْ الْعِدَدِ وَالْإِحْدَادِ مَا عَلَى الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ وَاحِدٌ فَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذَا تَحَاكَمَ إلَيْهِ مُشْرِكٌ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُشْرِكِينَ: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآيَةَ. قَالَ وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ. وَقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك} قَالَ: وَأَهْوَاءَهُمْ، يَحْتَمِلُ سَبِيلَهُمْ فَأَمَرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَحْكُمَ إلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بِحُكْمِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ وَإِذَا طَلَّقَ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلاَثًا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَنَكَحَتْ نَصْرَانِيًّا فَأَصَابَهَا أَحَلَّهَا ذَلِكَ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَيُحْصِنُهَا لِأَنَّهُ زَوْجٌ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ وَمِنْ سُنَّتِهِ أَنْ لاَ يُرْجَمَ إلَّا مُحْصَنًا فَلَوْ كَانَتْ إصَابَةُ الذِّمِّيِّ لاَ تُحْصِنُ الْمَرْأَةَ لَمْ يَرْجُمْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أَحْصَنَهَا أَحَلَّهَا مَعَ إحْلاَلِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَأَنَّهُ زَوْجٌ نَكَحَهَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلاَحًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إنْ أَرَادُوا إصْلاَحًا} فَقَالَ إصْلاَحُ الطَّلاَقِ: الرَّجْعَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ أَرَادَ الرَّجْعَةَ فَهِيَ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَهَا لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِدَلاَلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلُّ زَوْجَةٍ تَحْتَ حُرٍّ مُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ. قَالَ وَطَلاَقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ. فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً فَهُوَ كَالْحُرِّ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَيَمْلِكُ مِنْ رَجْعَتِهَا بَعْدَ وَاحِدَةٍ مَا يَمْلِكُ الْحُرُّ مِنْ رَجْعَةِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ الْكَافِرُ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُ الذِّمِّيِّ فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلاَ سَبِيلَ لِزَوْجٍ عَلَى امْرَأَتِهِ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ جَعَلَ الرَّجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ فَبَيَّنَ أَنْ لاَ رَجْعَةَ عَلَيْهَا بَعْدَهَا مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الزَّوْجَ أَحَقَّ بِرَجْعَةِ امْرَأَتِهِ فِي الْعِدَّةِ كَانَ بَيْنَهَا أَنْ لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ الرَّجْعَةَ وَلاَ لَهَا عِوَضٌ فِي الرَّجْعَةِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا لَهُ عَلَيْهَا لاَ لَهَا عَلَيْهِ وَلاَ أَمْرَ لَهَا فِيمَا لَهُ دُونَهَا، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} كَانَ بَيْنَهَا أَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا هُوَ بِالْكَلاَمِ دُونَ الْفِعْلِ مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ رَدٌّ بِلاَ كَلاَمٍ فَلاَ تَثْبُتُ رَجْعَةٌ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ كَمَا لاَ يَكُونُ نِكَاحٌ وَلاَ طَلاَقٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِمَا فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا فِي الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَالْكَلاَمُ بِهَا أَنْ يَقُولَ قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ قَدْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ قَدْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ قَدْ ارْتَجَعْتهَا إلَيَّ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَذَا فَهِيَ زَوْجَةٌ، وَلَوْ مَاتَ أَوْ خَرِسَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ رَجْعَةً فَهِيَ رَجْعَةٌ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ طَلاَقًا. قَالَ وَلَوْ طَلَّقَهَا فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ فَرَدَّهَا إلَيْهِ يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ جَامَعَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَنْوِيهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِالرَّجْعَةِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ رَجْعَةً حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهَا. قَالَ وَإِذَا جَامَعَهَا بَعْدَ الطَّلاَقِ يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَنْوِيهَا فَالْجِمَاعُ جِمَاعُ شُبْهَةٍ لاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا فِيهِ، وَيُعَزَّرُ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ عَالِمَةً، وَلَهَا عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَالْوَلَدُ لاَحِقٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إذَا قَالَ قَدْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ رَجْعَةً حَتَّى يَنْوِيَ بِهَا رَجْعَتَهَا فَإِذَا قَالَ قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ ارْتَجَعْتهَا هَذَا تَصْرِيحُ الرَّجْعَةِ كَمَا لاَ يَكُونُ النِّكَاحُ إلَّا بِتَصْرِيحِ النِّكَاحِ أَنْ يَقُولَ قَدْ تَزَوَّجْتهَا أَوْ نَكَحْتهَا فَهَذَا تَصْرِيحُ النِّكَاحِ وَلاَ يَكُونُ نِكَاحًا بِأَنْ يَقُولَ قَدْ قَبِلْتهَا حَتَّى يُصَرِّحَ بِمَا وَصَفْت لِأَنَّ النِّكَاحَ تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجْعَةُ تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ فَالتَّحْلِيلُ بِالتَّحْلِيلِ شَبِيهٌ فَكَذَلِكَ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَلاَ يُقَاسَ بِالتَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ كَمَا لَوْ قَالَ قَدْ وَهَبْتُك أَوْ اذْهَبِي أَوْ لاَ حَاجَةَ لِي فِيك أَنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلاَقًا حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ الطَّلاَقَ وَهُوَ لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَدْ رَدَدْتُك إلَيَّ الرَّجْعَةَ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً يَنْوِي بِهِ الرَّجْعَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَاعْتَدَّتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ فَحُكْمُنَا أَنْ لاَ رَجْعَةَ إلَّا بِكَلاَمٍ فَإِنْ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلاَ تَنْكِحُ حَتَّى تُكْمِلَ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَلاَ تَكُونُ كَالْمَرْأَةِ تَعْتَدُّ مِنْ رَجُلَيْنِ فَتَبْدَأُ عِدَّتَهَا مِنْ الْأَوَّلِ فَتُكْمِلُهَا ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ لِلْآخَرِ عِدَّةً لِأَنَّ تَيْنِكَ الْعِدَّتَيْنِ لِحَقٍّ جُعِلَ لِرَجُلَيْنِ وَفِي ذَلِكَ نَسَبٌ يَلْحَقُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا حَقٌّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَنَسَبٍ وَاحِدٍ لاَ يَتَنَازَعُ لِمَنْ كَانَ مِنْهُ وَلَدٌ وَلَوْ طَلَّقَهَا فَحَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ أَصَابَهَا اسْتَأْنَفَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ مِنْ يَوْمِ أَصَابَهَا وَكَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَتَدْخُلَ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ وَلَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَرَى الدَّمَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ إصَابَتِهِ إيَّاهَا وَهِيَ الرَّابِعَةُ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ وَسَوَاءٌ عَلِمَتْ بِالرَّجْعَةِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ إذَا كَانَتْ تَعْلَمُ فَتَمْتَنِعُ مِنْ الرَّجْعَةِ فَتَلْزَمُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهَا لَهُ عَلَيْهَا فَعِلْمُهَا وَجَهَالَتُهَا سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ غَائِبَةً أَوْ حَاضِرَةً أَوْ كَانَ عَنْهَا غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا. قَالَ وَإِنْ رَاجَعَهَا حَاضِرًا وَكَتَمَ الرَّجْعَةَ أَوْ غَائِبًا فَكَتَمَهَا أَوْ لَمْ يَكْتُمْهَا فَلَمْ تَبْلُغْهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُهَا وَنَكَحَتْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الَّذِي نَكَحَتْهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ الْآخَرِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ أَصَابَهَا لاَ مَا سَمَّى لَهَا وَلاَ مَهْرَ وَلاَ مُتْعَةَ إنْ لَمْ يُصِبْهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَلاَ يَبْطُلُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْهَا بِبَاطِلٍ مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهِ وَلاَ بِدُخُولٍ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ لَوْ عَرَفْنَاهُ كَانَا عَلَيْهِ مَحْدُودَيْنِ، وَفِي مِثْلِ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ لاَ اسْتِثْنَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ زَوْجٌ آخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ ثُمَّ رَسُولُهُ أَحَقَّ بِأَمْرٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَنَكَحَتْ قَالَ هِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ دَخَلَ بِهَا الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَنْبَغِي لِمَنْ رَاجَعَ أَنْ يُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى الرَّجْعَةِ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ لِئَلَّا يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ الرَّجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلاَ يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ تَعْلَمْ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ، وَلِئَلَّا يتجاحدا أَوْ يُصِيبَهَا فَتَنْزِلَ مِنْهُ إصَابَةُ غَيْرِ زَوْجَةٍ، وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ فَالرَّجْعِيَّةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَيْهِ دُونَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ إذَا أَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ قَالَ قَدْ رَاجَعْتهَا فَإِذَا مَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ قَدْ رَاجَعْتهَا وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَالَ قَدْ رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلاَقِهِ إذَا كَانَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك وَإِذَا كَانَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا فَقَدْ رَاجَعْتُك وَإِذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك وَإِذَا فَعَلْت كَذَا فَقَدْ رَاجَعْتُك فَكَانَ كُلُّ مَا قَالَ لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت فَقَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ قَدْ شِئْت. لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً حَتَّى يُحْدِثَ بَعْدَهَا رَجْعَةً. وَهَذَا مُخَالِفٌ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إذَا كَانَ أَمْسِ فَقَدْ رَاجَعْتُك لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً بِحَالٍ، وَلَوْ نَوَى إذَا كَانَ أَمْسِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَقَدْ رَاجَعْتُك لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً وَلَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ لَهَا إذَا كَانَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك فَلاَ يَكُونُ رَجْعَةً، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَقَدْ رَاجَعْتُك. لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ قَدْ رَاجَعْتُك أَمْسِ أَوْ يَوْمَ كَذَا لِيَوْمٍ مَاضٍ بَعْدَ الطَّلاَقِ. كَانَتْ رَجْعَةً. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ قَدْ كُنْت رَاجَعْتُك بَعْدَ الطَّلاَقِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ قَدْ رَاجَعْتُك كَانَتْ رَجْعَةً. فَإِنْ وَصَلَ الْكَلاَمَ فَقَالَ فَقَدْ رَاجَعْتُك بِالْمَحَبَّةِ أَوْ رَاجَعْتُك بِالْأَذَى وَرَاجَعْتُك بِالْكَرَامَةِ أَوْ رَاجَعْتُك بِالْهَوَانِ سُئِلَ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجْعَةَ وَقَالَ عَنَيْت رَاجَعْتُك بِالْمَحَبَّةِ مِنِّي لَك أَوْ رَاجَعْتُك بِالْأَذَى فِي طَلاَقِك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا كَانَتْ رَجْعَةً، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت قَدْ رَجَعْت إلَى مَحَبَّتِك بَعْدَ بُغْضِك أَوْ إلَى أَذَاك كَمَا كُنْت أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً، وَإِذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابٍ أَوْ إشَارَةٍ تُعْقَلُ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ وَكَذَلِكَ إذَا رَاجَعَهَا بِكِتَابٍ لَهُ أَوْ إشَارَةٍ تُعْقَلُ لَزِمَتْهَا الرَّجْعَةُ، وَإِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فَخَبَلَ لِسَانُهُ فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ فِي الرَّجْعَةِ وَالطَّلاَقِ وَإِذَا أَشَارَ إشَارَةً تُعْقَلُ أَوْ كَتَبَ كِتَابًا لَزِمَهَا الطَّلاَقُ وَأُلْزِمَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ وَلَوْ لَمْ يَخْبِلْ وَلَكِنَّهُ ضَعُفَ عَنْ الْكَلاَمِ فَأَشَارَ بِطَلاَقٍ أَوْ بِرَجْعَةٍ إشَارَةً تُعْقَلُ أَوْ كَتَبَ كِتَابًا يُعْقَلُ كَانَتْ رَجْعَةً حَتَّى يَعْقِلَ فَيَقُولَ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً فَتَبْرَأُ مِنْهُ بِالطَّلاَقِ الْأَوَّلِ وَكُلُّ زَوْجٍ بَالِغٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ تَجُوزُ رَجْعَتُهُ كَمَا يَجُوزُ طَلاَقُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ تَجُوزُ رَجْعَةُ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ كَمَا لاَ يَجُوزُ طَلاَقُهُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً صَحِيحًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ خَبَلَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ خَبْلٍ أَوْ بِرْسَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ ثُمَّ ارْتَجَعَ امْرَأَتَهُ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَجُزْ رَجْعَتُهُ وَلاَ تَجُوزُ رَجْعَتُهُ إلَّا فِي الْحِينِ الَّذِي لَوْ طَلَّقَ جَازَ طَلاَقُهُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَرَاجَعَ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَمْ تَجُزْ رَجْعَتُهُ وَإِنْ رَاجَعَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ جَازَتْ رَجْعَتُهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَقَالَتْ رَاجَعْتنِي وَأَنْتَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ ثُمَّ لَمْ تُحْدِثْ لِي رَجْعَةً وَعَقْلُك مَعَك حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ بَلْ رَاجَعْتُك وَمَعِي عَقْلِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَيْهِ دُونَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَدَّعِي إبْطَالَهَا لاَ يَكُونُ لَهَا إبْطَالُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ فَمَتَى ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِي مِثْلِهَا أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَمَتَى ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ لاَ يُمْكِنُ فِي مِثْلِهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا لَمْ تُصَدَّقْ وَلاَ تُصَدَّقُ إلَّا فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا ادَّعَتْ مَا لاَ يُمْكِنُ مِثْلُهُ بِحَالٍ، وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ مِنْ يَوْمِهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا حَتَّى تُسْأَلَ. فَإِنْ قَالَتْ قَدْ أَسْقَطْت سِقْطًا بَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ أَوْ وَلَدْت وَلَدًا وَمَاتَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إذَا كَانَ يَلِدُ مِثْلُهَا فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لاَ يَلِدُ مِثْلُهَا أَوْ عَجُوزًا لاَ يُمْكِنُ فِي مِثْلِهَا أَنْ تَلِدَ لَمْ تُصَدَّقْ بِحَالٍ، وَلَوْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي يَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ سُئِلَتْ فَإِنْ قَالَتْ حِضْت ثَلاَثَ حِيَضٍ لَمْ تُصَدَّقْ لِأَنَّهُ لاَ يَحِيضُ مِنْ النِّسَاءِ أَحَدٌ ثَلاَثَ حِيَضٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَإِنْ قَالَتْ قَدْ حِضْت فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثَلاَثَ حِيَضٍ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا نُظِرَ. فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّعِيَةُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ تَذْكُرُ قَبْلَ الطَّلاَقِ أَنَّهَا كَانَتْ تَحِيضُ هَكَذَا وَتَطْهُرُ صُدِّقَتْ فِي الْحُكْمِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ نِسَاءِ النَّاسِ مَنْ يَذْكُرُ مَا وَصَفْت، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ وَلاَ وَاحِدَةٌ مِنْ النِّسَاءِ تَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا لَمْ تُصَدَّقْ، وَمَتَى صَدَّقْتهَا فِي الْحُكْمِ فَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمَا ذَكَرَتْ مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ أَوْ سِقْطٍ أَوْ وَلَدٍ. فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَإِنْ نَكَلَتْ أَحَلَفَتْهُ مَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَجُعِلَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَإِذَا صَدَّقْتهَا فِي الْحُكْمِ بِقَوْلِهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي صَدَّقْتهَا بِهِ قَبْلَ ارْتِجَاعِهِ إيَّاهَا وَصَدَّقْتهَا إذَا قَالَ قَدْ رَاجَعْتُك الْيَوْمَ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَمْسِ أَوْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي رَاجَعَهَا فِيهِ إلَّا أَنْ تُقِرَّ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ إيَّاهَا بِأَنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَدَّعِي انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَلاَ أُصَدِّقُهَا لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ أُحَلِّفَهُ لَهَا مَا عَلِمَ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فَعَلْت فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْهَا الرَّجْعَةُ وَإِنْ نَكَلَ أُحْلِفَتْ عَلَى الْبَتِّ لَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنْ حَلَفَتْ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ نَكَلَتْ فَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا رَاجَعْتُك فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَوْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ أَنْ تَقُولَ قَدْ رَاجَعْتُك فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَقَالَتْ قَدْ كُنْت كَذَبْت فِيمَا ادَّعَيْت مِنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِي أَوْ قَالَتْهُ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَرَاجَعَهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَلَوْ رَجَعَتْ عَنْ الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ الرَّجْعَةَ وَهِيَ كَمَنْ جَحَدَ حَقًّا عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ، وَلَوْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ كَذَبْت لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي أَوْ وَهِمْت ثُمَّ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ إلَّا بِأَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَتَقُولَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي، وَإِذَا قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي مُدَّةٍ لاَ تَنْقَضِي عِدَّةُ امْرَأَةٍ فِي مِثْلِهَا فَأَبْطَلَتْ قَوْلَهَا ثُمَّ جَاءَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِي مِثْلِهَا وَهِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى قَوْلِهَا الْأَوَّلِ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةٌ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا. وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ أَعْلَمَتْنِي بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ لِأَنَّهَا قَدْ تُكَذِّبُهُ فِيمَا أَعْلَمَتْهُ وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي، وَإِنْ قَالَ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَقَالَتْ هِيَ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَ كَذَبَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَّقَهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ كَذَّبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي الْعِدَّةِ قَدْ رَاجَعْتهَا الْيَوْمَ أَوْ أَمْسِ أَوْ قَبْلَهُ فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ فَأَخْبَرَ أَنْ قَدْ فَعَلَ بِالْأَمْسِ كَانَ كَابْتِدَائِهِ الْفِعْلَ الْآنَ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ قَدْ رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ رَاجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِذَا مَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ قَدْ كُنْت رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ وَصَدَّقَتْهُ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ. فَإِنْ كَذَّبَتْهُ بَعْدَ التَّصْدِيقِ أَوْ كَذَّبَتْهُ قَبْلَ التَّصْدِيقِ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ كَانَتْ الرَّجْعَةُ ثَابِتَةً، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَصَدَّقَتْهُ كَانَتْ كَالْحُرَّةِ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا، وَلَوْ كَذَّبَهُ مَوْلاَهَا لَمْ أَقْبَلْ قَوْلَهُ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ بِالرَّجْعَةِ وَالتَّحْرِيمَ بِالطَّلاَقِ فِيهَا وَلَهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً لَمْ تَحِضْ أَوْ مَعْتُوهَةً مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا فَقَالَ زَوْجُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ لَهُ، وَلَوْ صَدَّقَتْهُ لِأَنَّهَا مِمَّنْ لاَ فَرْضَ لَهُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَّقَهُ وَلِيُّهَا أَبَاهَا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لَمْ أَقْبَلْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَعَرَضَ لَهَا مَرَضٌ أَذْهَبَ عَقْلَهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ فَإِذَا أَفَاقَتْ فَصَدَّقَتْهُ كَانَتْ زَوْجَتَهُ بِالْإِقْرَارِ وَكَانَتْ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا ثَابِتَةً، وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَ قَدْ أَصَبْتهَا وَطَلَّقْتهَا وَقَالَتْ لَمْ يُصِبْنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. وَلَوْ قَالَتْ قَدْ أَصَابَنِي وَقَالَ لَمْ أُصِبْهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِإِقْرَارِهَا أَنَّهَا عَلَيْهَا لاَ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ أَنْ لاَ عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرَاجِعَهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَذَبَ وَيَسَعُهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا كَذَبَتْ بِادِّعَائِهَا بِالْإِصَابَةِ أَنْ تَنْكِحَ قَبْلَ أَنْ تَعْتَدَّ لِأَنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَأَمَّا الْحُكْمُ فَكَمَا وَصَفْت، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا أَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا أَوْ لَمْ يُغْلِقْهُ أَوْ طَالَ مَقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلاَ يُكْمِلُ لَهَا الْمَهْرَ إذَا طَلُقَتْ إلَّا بِالْوَطْءِ نَفْسِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَطْءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فَضْلُ الصَّدَاقِ، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ فَحَلَفَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ فُسِخَ نِكَاحُهَا مِنْ الْآخَرِ وَكَانَتْ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ الَّذِي رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَمْسَكَ عَنْهَا حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ الْآخَرِ إنْ كَانَ أَصَابَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَهَا لَمْ يُمْسِكْ عَنْهَا، وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الْآخَرِ تَوَارَثَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَكَذَّبَتْهُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ صَدَّقَتْ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى إفْسَادِ نِكَاحِ الزَّوْجِ الْآخَرِ وَلَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى رَجْعَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ وَلَهُ عَلَيْهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا بِإِقْرَارِهَا أَنَّهَا أَتْلَفَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ فَرَاجِعُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ دَعُوهُنَّ تَنْقَضِي عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَنَهَاهُمْ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضَرَرًا لِيَعْتَدُوا وَلاَ يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ ضِرَارًا.
|