الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن ***
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} فَكَانَ النِّدَاءُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْمُحْكَمِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ وَإِنَّهُ الْأَذَانُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ كَيْفِيَّةَ الْأَذَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ كِتَابِهِ، وَبَيَّنَهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 192- حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالُوا: لَنَا الْبُوقُ، وَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى، فَأُرِيَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ النِّدَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا " فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَذَّنَ " قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَزَادَ بِلَالٌ فِي نِدَاءِ صَلَاةِ الصُّبْحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي. 193- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ الطَّاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانُوا قَدْ أَرَادُوا أَنْ يَضْرِبُوا بِالنَّاقُوسِ، وَأَنْ يَرْفَعُوا نَارًا لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ حَتَّى أُرِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الرُّؤْيَا " فَأُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ ". 194- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ الْحُرَيْنِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى رَجُلًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ أَوْ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ " فَقَامَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ، فَأَذَّنَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ قَعَدَ ثُمَّ أَقَامَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ عَلِّمْهَا بِلَالًا ". 195- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ رَأَى فِي الْمَنَامِ الْأَذَانَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: " عَلِّمْهُ بِلَالًا " فَأَذَّنَ مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى، وَقَعَدَ قَعْدَةً ". 196- حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِي الْإِقَامَةِ " قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ " قَالَ، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْلَا أَنِّي أَتَّهِمُ نَفْسِي لَظَنَنْتُ أَنِّي رَأَيْتُ ذَلِكَ وَأَنَا يَقْظَانُ غَيْرَ نَائِمٍ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَأَنَا وَاللهِ لَقَدْ طَافَ بِي الَّذِي طَافَ بِعَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَبَقَنِي سَكَتُّ. 197- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كَانُوا يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ، يُؤْذِنُ بِهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا، فَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ نَائِمًا أَصَدَّقْتَ أَنِّي لَبَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، أَوْ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَجَعَلَ آخِرَ ذَلِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يَزِيدُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ " فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلِّمْهَا بِلَالًا " فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ طَافَ بِيَ اللَّيْلَةَ مِثْلُ الَّذِي طَافَ بِعَبْدِ اللهِ، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي ". 198- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ شَبَّةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَقَالَ رَوْحٌ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ كَمَا يُؤَذِّنُونَ الْآنَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى، فَذَكَرَ مِثْلَ الْأَذَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّعْ فِيهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ ". 199- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرٌ الْأَحْوَلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ، حَدَّثَهُ: " أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَذَانِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ رَوْحٍ سَوَاءً، فَثَبَتَتْ بِهَذِهِ الْآثَارِ كَيْفِيَّةُ الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ وَلِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ سَوَاءً غَيْرَ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَفِي حَدِيثِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَوْلَاهُمَا عِنْدَنَا، لِأَنَّا وَجَدْنَا مَا فِي الْأَذَانِ مِمَّا يُكَرَّرُ، وَالثَّانِي مِنْهُ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّهُ إِذَا كَرَّرَ فِي آخِرِ الْأَذَانِ يِقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، كَذَلِكَ وَكَانَ يِقُولُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ إِذَا كَرَّرَ التَّكْبِيرَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، كَانَ الَّذِي يَقُولُهُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَمَّا التَّرْجِيعُ الَّذِي فِي الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ فَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةٍ أُخْرَى قَدْ بُيِّنَتْ فِي الْحَدِيثِ. 200- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ شَبَّةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ قَالَ لَهُ: خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ، وَكُنَّا فِي بَعْضِ طَرِيقِ حُنَيْنٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ حُنَيْنٍ وَلَقِيَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْنُ مُتَنَكِّبُونَ، فَسَخِرْنَا نحَكْيِهِ وَنَسْتَهْزِئُ بِهِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّوْتَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا إِلَى أَنْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " أَيُّكُمُ الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ قَدِ ارْتَفَعَ؟ " فَأَشَارَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ إِلَيَّ وَصَدَقُوا، فَأَرْسَلَ كُلَّهُمْ وَحَبَسَنِي، فَقَالَ: قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ، فَأَلْقَى عَلَيَّ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: " قُلِ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: ارْجِعْ فَامْدُدْ صَوْتَكَ، ثُمَّ قُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ "، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَذَانَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الْأَوَّلِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَمُدَّ مِنْ صَوْتِهِ إِذْ كَانَ لَمْ يَمُدَّ مِنْ صَوْتِهِ فِي الِابْتَدَاءِ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ الْخَفْضُ فِي الْأُولَى وَالرَّفْعُ فِي الثَّانِيَةِ، إِذَنْ لَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَلَمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعَلِّمْهُ إِيَّاهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْخَفْضُ مِنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، لَا بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ بِهِ، فَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ، وَأَنْ يَمُدَّ مِنْ صَوْتِهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَفْضَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ لِيُسْمِعَ وَلِيَسْتَعْمِلَ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي كُلِّ أَذَانِهِ وَكَانَ لِهَذَا النِّدَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتٌ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْآيَةِ يَجِبُ إِتْيَانُ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، فَنَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَا. 201- يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ". 202- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّهُمْ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْجِعُونَ، فَيَقِيلُونَ فِي بَنِي سَلَمَةَ، قَالَ: وَبَيْنَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ بَنِي سَلَمَةَ نَحْوٌ مِنْ مِيلٍ ". 203- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَرْفَعُ نَوَاضِحَنَا قُلْتُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ ذَلِكَ؟ قَالَ: عَنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ". 204- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ تَكُونُ الْقَائِلَةُ ". 205- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يُونُسُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ فَنَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ " فَهَذِهِ الْآثَارُ قَدْ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ كَمَا ذُكِرَ فِيهَا فَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ فِي قَوْلِهِ: " فَنَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ "، فَهَذَا عِنْدَنَا يُرِيدُ الْفَيْءَ الَّذِي يُظِلُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدِيثُ سَهْلٍ وَذِكْرُ الْقَائِلَةِ فِيهِمَا، فَهُمَا أَيْضًا عِنْدَنَا بَعْدَ الزَّوَالِ، لِأَنَّ الْقَائِلَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ جَابِرٍ فِي ذِكْرِهِ زَوَالَ الشَّمْسِ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى حِينِ تَزُولُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ زَوَالُهَا إِلَّا وَقَدْ زَالَتْ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَفَسَّرَهُ أَنَسٌ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا فِيهِ اخْتِلَافٌ، فَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ما: 206- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: صَلَّى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَصْحَابِهِ الْجُمُعَةَ ضُحًى، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ مَخَافَةَ الْحَرِّ عَلَيْكُمْ " وَقَدْ خَالَفَهُ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. 207- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " رُحْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، يَعْنِي: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا سَبَقَنِي، فَإِذَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ". 208- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْجُمُعَةَ بِالْهَاجِرَةِ، قَالَ: قُلْتُ: قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ؟ قَالَ: بَعْدَ الزَّوَالِ "، وَهَذَا مِنْ فِعْلِهِمَا بِحَضْرَةِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِنْهُمْ فِي الْجُمُعَةِ غَيْرُ الَّذِي فَعَلَهُ، لِقَوْلِهِ لَهُمْ، " إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ مَخَافَةَ الْحَرِّ عَلَيْكُمْ "، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَجِّلَ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا لِحَرٍّ وَلَا لِبَرْدٍ إِلَّا بِإِبَاحَةٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ الْفَرْضُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ، فَقَوْمٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الْفَرْضُ هُوَ الْجُمُعَةُ لَا الظُّهْرُ، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: الْفَرْضُ هُوَ الظُّهْرُ عَلَى حُكْمِهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ غَيْرَ أَنَّ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْجُمُعَةِ أَنْ يَحْضُرُوا الْجُمُعَةَ حَتَّى يُصَلُّوهَا، فَيَسْقُطَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فَرْضُ الظُّهْرِ، اسْتَحَالَ أَنْ يُصَلِّيَ الْبَدَلَ مِنَ الظُّهْرِ قَبْلَ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَاسْتَحَالَ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَسْقُطَ بِهَا فَرْضُ الظُّهْرِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا قَدْ شَهِدَ لَهَا مِنَ النَّظَرِ، بَعْدَ زَوِالِ الشَّمْسِ، كَانَ النِّدَاءُ لَهَا أَيْضًا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، كَمَا كَانَ النِّدَاءُ لِلظُّهْرِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ لَهَا مَوْطِنٌ خَاصٌّ لَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى إِلَّا فَيهَ لَمْ يَذْكُرِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلَا وَجَدْنَاهُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي ذَلِكَ ما: 209- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ ". 210- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، قَالَ: " لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ " وَهَذَا مِمَّا يُحِيطُ عِلْمًا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَقُلْهُ رَأْيًا، لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَقُولُ بِالرَّأْيِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ إِلَّا تَوْقِيفًا غَيْرَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا فِي حَدِيثِهِ الْأَمْصَارَ مَا هِيَ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ: 211- قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " مَصَّرَ الْأَمْصَارَ سَبْعَةً: الْمَدِينَةُ مِصْرٌ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَالْبَصْرَةُ، وَالْكُوفَةُ، وَالْجَزِيرَةُ، وَالشَّامُ، وَمِصْرُ ". 212- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: الْأَمْصَارُ سَبْعَةٌ: الْمَدِينَةُ مِصْرٌ، وَالْبَصْرَةُ، وَالْكُوفَةُ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَالْجَزِيرَةُ، وَالشَّامُ، وَمِصْرُ قَالَ: وَذُكِرَتْ لَهُ وَاسِطُ قَالَ وَقَدْ قُلْتُمْ وَاسِطُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ إِنَّمَا مُصِّرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَبَ لَهَا حُكْمُ الْأَمْصَارِ، كَانَ كَذَلِكَ كُلُّ مِصْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ سِوَاهَا حَتَّى صَارَ فِي حُكْمِهَا صَارَتِ الْجُمُعَةُ فِيهِ كَهِيَ فِيهَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ بِقُرْبِ الْأَمْصَارِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا؟. 213- فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: " تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ " وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. 214- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ " وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي أَهْلِهِ وَقَدْ خَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. 215- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّهُ كَانَ بِالطَّفِّ فَرُبَّمَا جَمَّعَ، وَرُبَّمَا لَمْ يُجَمِّعْ، وَمِقْدَارُ الطَّفِّ مِنَ الْبَصْرَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ، وَأَقَلُّ مِنْ مَسَيرَةِ نِصْفِ يَوْمٍ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَنَسٍ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ كَانَ فِي الْأَمْصَارِ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُهَا، وَلَمَّا كَانَ خَارِجُ الْأَمْصَارِ لَيْسَ فَوْطِنً لِلْجُمُعَةِ كَانَ الَّذِي فِيهَا هُنَاكَ لَيْسَ فِي مَوْطِنِ الْجُمُعَةِ، فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ مَنْ قَرُبَ مَنْزِلُهُ مِنَ الْأَمْصَارِ وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ مِنْهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ كَيْفِيَّةَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَبَيَّنَهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 216- فَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقْدِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: " صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَالْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَالْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". 217- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. 218- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَهُ وَهَذَا مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ، وَكَانَ الْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ}، فَكَانَ ظَاهِرُ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ، وَعَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ خَاصٌّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ النِّسَاءَ الْأَحْرَارَ، وَالْعَبِيدَ، وَالْإِمَاءَ، وَالْمُسَافِرِينَ، وَذَوِي الزَّمَانَاتِ الَّذِينَ لا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهَا الْمَشْيَ، وَذَوِي الْأَمْرَاضِ الَّذِينَ كَذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِيمَنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ وَأَمَّا الزَّمَانَةُ بِالْعَمَى فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِمْ فِي هَذَا، فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: هُمْ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الزَّمَانَةِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَجْعَلُونَهُمْ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الزَّمْنَى، وَيَجْعَلُونَهُمْ فِي حُكْمِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ مِنَ الْبُصَرَاءِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْقِطٍ عَنْهُمْ حُضُورَ الْجَمَاعَاتِ، وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ نَجِدْ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا مُجْمَعًا عَلَى الْمُرَادِ بِهِ، نَظَرْنَا هَلْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّنَا عَلَى ذَلِكَ؟. 219- فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَامَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو رَزِينٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ يُلَازِمُنِي، أَفَلِي رُخْصَةٌ أَنْ لَا آتِيَ الْمَسْجِدَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا ". 220- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، يَقُولُ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ نَخْلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ قَالَ: " فَإِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَادْنُهْ ". 221- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَرَأَى فِي النَّاسِ رِقَّةً، فَقَالَ: " إِنِّي لَأَهُمُّ أَنْ أَجْعَلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، ثُمَّ أَخْرُجَ فَلَا أَقْدِرُ عَلَى رَجُلٍ تَخَلَّفَ فِي بَيْتِهِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا حَرَقْتُ عَلَيْهِ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ نَخْلًا وَشَجَرًا، وَلَيْسَ كُلَّ حِينٍ أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ، أَفَأُصَلِّي فِي بَيْتِي؟، قَالَ: " فَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: " فَأْتِهَا ". 222- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ أَبِي عُقَيْلٍ اللَّخْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ أَشْيَاءً، وَرُبَّمَا وَجَدْتُ قَائِدًا، وَرُبَّمَا لَمْ أَجِدْ قَالَ: أَلَيْسَ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: " فَإِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَامْشِ إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ: " فَإِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَادْنُ "، وَمَا رَخَّصَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ آتِي أَقْوَامًا لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأَحْرِقُ عَلَيْهِمْ وَمَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ تَسْمَعُ الْإِقَامَةَ "، عِنْدَنَا هُوَ الْعِلْمُ بِهَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَاطَبَ بِذَلِكَ أَعْمَى لَا يَعْرِفُ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ بِسَاعَاتِ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُهَا بِمَا يَسْمَعُهُ مِنَ الْإِقَامَةِ، وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ حَضَرَتْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصَمَّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ مَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ إِذَا عَلِمَ بِهَا، وَلَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالصَّمَمِ وَجَمِيعُ مَا بَيَّنَّا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَالشَّافِعِيِّ غَيْرُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فِي الْأَعْمَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، وَغَيْرُ مَا حَكَيْنَاهُ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْأَعْمَى فِي ذَلِكَ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَلَا عَنِ الشَّافِعِيِّ شَيْئًا، وَأَمْسَكْنَا عَنْ ذِكْرِ اخْتِيَارِنَا فِي الْإِقَامَةِ لِلصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ إِذْ كَانَتْ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ}، فَكَانَ هَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِالسَّعْيِ سُرْعَةُ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ السَّعْيُ بِالْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ، لَا عَلَى الْأَقْدَامِ، أَيْ: يَخْلُصُ بِالسَّعْيِ إِلَيْهَا حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ نَهَى عَنِ السَّعْيِ وَالْعَدْوِ فِي إِتْيَانِ الصَّلَاةِ، فَمِنْ ذَلِكَ ما: 223- حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتِكُمْ فَأَتِمُّوا ". 224- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ: " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ. 225- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا ". 226- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْشِ عَلَى هَيْئَتِهِ، فَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَ، وَلْيَقْضِ مَا سُبِقَ بِهِ " فَمَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِنَ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ بِسُرْعَةِ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ السَّعْيَ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا غَيْرُ السَّعْيِ الَّذِي نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فِعْلِهِ فِي إِتْيَانِ الصَّلَاةِ الَّتِي عَمَّ بِهَا سَائِرَ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ وَجَدْنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَتْلُو مَكَانَ السَّعْيِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُضِيَّ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: 227- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: " لَقَدْ تَوَفَّى الله عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَمَا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا: " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ ". 228- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " لَوْ قَرَأْتُهَا: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ}، لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي " وَهَذَا مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى التَّكَثُّرِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَرَادَ بِذَلِكَ السَّعْيَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنْهُ وَكُنَّا لَا نَقْرَأُهَا إِلَّا عَلَى مَا وَجَدْنَا فِي مُصْاحَفِنَا الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، عَلَيْهَا أَئِمَّتُنَا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَمَعْنَى السَّعْيِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهَا عِنْدَنَا هُوَ الْإِخْلَاصُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّعْيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا}، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى}، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى}، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} فَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السَّعْيَ الْمَنْهِيَّ عَنْ إِتْيَانِ الصَّلَوَاتِ عَلَيْهِ مِنَ السُّرْعَةِ فِي الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ، بَلْ كَانَ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْإِرَادَاتِ بِالْقُلُوبِ، بِالسَّعْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا هُوَ هَذَا السَّعْيُ، وَاللهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ نَأْمُرُ الَّذِي يَأْتِي لِلصَّلَاةِ بِالْمَشْيِ عَلَى هَيْئَتِهِ لَا يَأْتِيهَا وَقَدْ حَصَرَهُ النَّفَسُ الَّذِي شَغَلَهُ عَنْهَا، وَتَقَطَّعَتْ عَمَّا أُمِرَ بِهِ فِيهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُمْ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فَكَانَ أَوَّلُ الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الْبَيْعِ فِيهِ مُخْتَلِفًا، وَفِي الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ هَلْ هُوَ النِّدَاءُ؟ أَوْ وَقْتُ النِّدَاءِ؟. 229- فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: " إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَا تَشْتَرِ وَلَا تَبِعْ ". 230- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: " يَحْرُمُ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ". 231- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}، قَالَ: هُوَ الْوَقْتُ فَهَذَا مَسْرُوقٌ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، وَالضَّحَّاكُ قَدْ جَعَلُوا الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ زَوَالَ الشَّمْسِ، لَا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ. 232- وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: " الْعَزْمَةُ عِنْدَ النِّدَاءِ ". 233- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: " يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ " فَهَذَا مُجَاهِدٌ، وَالزُّهْرِيُّ قَدْ جَعَلَا الَّذِي يَنْهَى عَنِ الْبَيْعِ النِّدَاءَ، لَا الزَّوَالَ وَلَمَّا كَانَ عَلَى النَّاسِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ وَلَا يَرْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَأْخَيرُ النِّدَاءِ بِهَا، كَانَ الَّذِي يُوجِبُ تَرْكَهُمُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْهَا هُوَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، لَا النِّدَاءُ الَّذِي يُنَادَى بِهِ بَعْدَهُ، وَلَمَّا كَانَ النِّدَاءُ عَلَى الزَّوَالِ لَا مَعْنَى لَهُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ الَّذِي بَعْدَ الزَّوَالِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَا قَدْ وَجَبَ إِتْيَانُ الصَّلَاةِ، وَتَرْكُ التَّشَاغُلِ عَنْهَا بِغَيْرِهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ التَّبَايُعِ فِيهِ، فَقَالَت طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: ذَلِكَ الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ شَكْلِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ هَذَا التَّعَطُّفِ عَلَيْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَوَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْعِبَادِ التَّشَاغُلَ عَنِ الصَّلَوَاتِ فِي آخِرِ أَوْقَاتِهَا إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ إِلَّا مِقْدَارُ مَا تُؤَدَّى فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَكَانَ مَنْ صَارَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْوَقْتِ، فَتَرَكَ الصَّلَاةَ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزَانِ بِلَا اخْتِلَافٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَلما كَانَ الْبَيْعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ جَائِزًا أَوْ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي عُقِدَ فِيهِ مَنْهِيًّا عَنِ الْبَيْعِ فِيهِ كَانَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الْبَيْعِ فِيهَا وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ مَا قَدْ كَانَ حَظَرَهُ عَلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، وَقَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ بِمَا قَدْ رُوِيَ فِيهِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذَهِ الْآيَةِ ما: 234- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوَحَّامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عِنْهُ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، فَكَانَ الْجَوَارِي إِذَا نُكِحُوا يَمُرُّونَ يَضْرِبُونَ بِالْكِيرِ وَالْمَزَامِيرِ فَيَنْسَلُّ النَّاسُ، وَيَدَعُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَعَاتَبَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}. 235- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا كَانَ نِكَاحٌ لَعِبَ أَهْلُهُ وَمَرُّوا بِاللهْوِ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَإِذَا نَزَلَ الْبَطْحَاءَ خَلَتْ، وَكَانَتِ الْبَطْحَاءُ مَجْلِسًا بِفِنَاءِ بَابِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِي طَرِيقَ الْعَرْقَدِ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ إِذَا جَلَبُوا الْخَيْلَ، وَالْإِبِلَ، وَالْغَنَمَ، وَبَضَايِعَ الْأَعْرَابِ نَزَلُوا الْبَطْحَاءَ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ يَقْعُدُ لِلْخُطْبَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَامُوا لِلَّهْوِ وَالتِّجَارَةِ، وَتَرَكُوهُ قَائِمًا، فَعَاتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ لِنَبِيِّهِ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا...} الآيَة. فَلَمَّا عَاتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّاسَ عَلَى الْقِيَامِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ عَلَيْهِمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعَاتَبِ الْقَائِمُ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا لِلَّهْوِ الْمُبَاحِ، كَمَا لَا يُعَاتَبُونَ لِلْقِيَامِ لِذَلِكَ عَنْ غَيْرِ خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَطِيبَ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ قَائِمًا، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا قَعْدَة. 236- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ " وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ جَابِرِ الَّذِي ذَكَرْنَا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْهُ. 237- فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُصَلِّ الْجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَمَا بَقِيَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ". 238- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ حُصَيْنٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 239- حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 240- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}، قَالَ: " جَاءَتْ عِيرٌ وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى بَقِيَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ". 241- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} " حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، فَقَالَ: 242- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ فَثَبَتَتْ هَذِهِ الْآثَارُ بِسَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَانَ فِي حَدِيثَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ وَهُوَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ أَنَّهُمْ نَفَرُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَفِي حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَنَّهُمْ نَفَرُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَنَحْنُ مَعَهُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ يَنْتَظِرُ صَلَاةً فَهُوَ فِي صَلَاةٍ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُخَالِفًا لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَطَلْحَةُ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَتِ الْخُطْبَةُ الَّتِي لِلْجُمُعَةِ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى جَمَاعَةٍ تَجْرِي مَعَهُمُ الْجُمُعَةُ، فَلَمَّا لَمْ يَتْرُكْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُطْبَةَ، وَلَا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بِذَهَابِ النَّاسِ عَنْهُ إِلَّا هَذَا الْعَدَدُ الَّذِي مِنْهُمْ، ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَكُونُ مَعَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، لَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ لَا تَجْرِي إِلَّا بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا فَصَاعِدًا، وَذَهَبَ فِي التَّوْقِيتِ فِي ذَلِكَ إِلَى ما: 243- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كُنْتُ قَائِدًا لِأَبِي بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَكَانَ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ إِلَّا قَالَ: رَحِمَهُ اللهُ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي: إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي صَلَوَاتُكَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ كُلَّمَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ أَبِي: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا الْجُمُعَةَ فِي حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي رَوْضَةٍ، يُقَالُ لَهَا: بَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قُلْتُ: وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا " فَهَذَا مَا لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُجَمِّعَ بِعَدَدٍ وَالْجَمْعُ بِأَقَلَّ مِنْهُ جَائِزٌ، وَلَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِالنَّاسِ بِالْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. 244- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْكَرِيرِيُّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بِكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْمَدِينَةَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِهَا أَوَّلَ يَوْمٍ الْجُمُعَةَ، جَمَعَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ " وَلَمَّا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْجُمُعَةَ بِالْجَمَاعَةِ الَّتِي دُونَ الْأَرْبَعِينَ، وَكَانَ قَائِلُوا ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ، فَقَوْمٌ يَقُولُونَ: تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ سِوَى الْإِمَامِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ وَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ لَا تَجْرِي بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ سِوَى الْإِمَامِ، وَتَجْرِي بِالثَّلَاثَةِ الرِّجَالِ سِوَى الْإِمَامِ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الرَّجُلَيْنِ، نَظَرْنَا فِي حُكْمِهِمَا هَلْ هُوَ كَحُكْمِ الثَّلَاثَةِ الرِّجَالِ أَوْ كَحُكْمِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ؟ فَنَعْطِفَهُ عَلَى الْأَشْبَهِ بِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْإِمَامِ إِذَا صَلَّى بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِذَا صَلَّى بِالثَّلَاثَةِ الرِّجَالِ أَقَامَهُمْ خَلْفَهُ، وَإِذَا صَلَّى بِالرَّجُلَيْنِ أَقَامَهُمَا خَلْفَهُ، كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَرَى الْعَمَلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمَّا كَانَ مَقَامُ الرَّجُلَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَقَامِ الثَّلَاثَةِ الرِّجَالِ خَلْفَ الْإِمَامِ، لَا كَمَقَامِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، كَانَ حُكْمُ الرَّجُلَيْنِ أَيْضًا فِي الْجَمَاعَةِ كَحُكْمِ الثَّلَاثَةِ فِيهَا، لَا كَحُكْمِ الْوَاحِدِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَذْهَبُ فِي مَقَامِ الرَّجُلَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ إِلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ عَنْ يَمِينِهِ، الْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مَقَامُ الرَّجُلَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مُخْتَلَفًا فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا، لَمْ نَنْقُلْهُمَا بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْوَاحِدِ، وَنَقَلْنَا الثَّلَاثَةَ عَنْ حُكْمِ الْوَاحِدِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَقَامِهِمْ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَالْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ هَذَا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ.
رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا: 245- حَدَّثَنَا أَبُو شُرَيْحٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قَالَ: فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ: {مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} " قَالَ الْبَرَاءُ: وَهُمُ الْيَهُودُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، قَالَ: فَتَحَرَّفُوا الْقَوْمُ حَتَّى وَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ ". 246- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ " فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا...} الآيَة فَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ ". 247- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقِبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ أَتَاهُمْ آتٍ، فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قَرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا " وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ ". 248- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِكْرٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ ابْنِ الْمُعَلى، قَالَ: " كُنَّا نَغْدُوا إِلَى السُّوقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَمُرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ فَنُصَلِّي فِيهِ، فَمَرَرْنَا يَوْمًا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَجَلَسْتُ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ الْآيَةَ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} حَتَّى فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: تَعَالَ نَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكُونَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى، فَتَبَادَرْنَا مَعًا، فَصَلَّيْنَاهُمَا، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ يَوْمَئِذٍ " غَيْرَ أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ، قَالَ: " فَنَمُرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ فَنَظَلُّ فِيهِ " وَلَمْ يَقُلْ: " فَنُصَلِّي فِيهِ ". 249- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَقَالَ: " نُصَلِّي فِيهِ ". 250- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عُلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ أَوْسٍ، وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا، قَالَ: " إِنِّي فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ بِالْبَابِ أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَشْهَدُ عَلَى إِمَامِنَا أَنَّهُ حُوِّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَصَلَّى بَعْضَهَا هَاهُنَا وَبَعْضَهَا هَاهُنَا " فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ الْمُحْكَمَةِ كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَفِيهَا إِثْبَاتُ فَرْضِ الْقِبْلَةِ، وَفِيهَا أَنَّهُمُ انْحَرَفُوا إِلَى الْكَعْبَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلُوا فِيهَا بِالتَّوَجُّهِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِعْلَامُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّ الْفَرْضَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، وَأَنَّ الْحُجَّةَ فِيهِ غَيْرُ قَائِمَةٍ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ حِينَ يَعْلَمُهُ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ حِينَ يُمْكِنُهُ اسْتِعْلَامُهُ، وَلِهَذَا عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ مَا هُوَ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ فِي آخَرِينَ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ وَهُمْ عَادُونَ عَلَى الْمَاءِ، لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ كَانَتْ بِلُغَتِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ كَانَ فَرْضُ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ قِبَاءَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي أُمِرَ بِذَلِكَ فِيهَا أُنْزِلَتْ لَيْلًا، وَإِنَّمَا انْحَرَفُوا إِلَى الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي عَلِمُوا بِنُزُولِ الْآيَةِ فِيهَا فَقَدْ لَحِقَهُمُ الْفَرْضُ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا عَدَلُوا فِي صَلَاتِهِمْ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ بِالْجَهْلِ مِنْهُمْ بِهَا قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ يَكُونُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِ، وكَانَ كَذَلِكَ أَلْحَقَتْ فَرَائِضُهُ الْمَجَانِينَ الَّذِينَ لَا عِلْمَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ الْمَجَانِينُ بِارْتِفَاعِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ غَيْرَ دَاخِلِينَ فِي الْفَرْضِ، كَانَ كَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْقُرْآنِ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَيَمُرُّ عَلَيْهِ رَمَضَانُ وَلَمْ يَصُمْهُ، أَوْ تَمُرُّ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَلَمْ يُصَلِّهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا قَدْ كَانَ فَرْضًا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعْلِمُ ذَلِكَ مِنْهُ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَحْضُرُهُ مَنْ يُمْكِنُهُ اسْتِعْلَامُ ذَلِكَ مِنْهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ اسْتِعْلَامُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَحْضُرُ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، مِنْهُمْ: أَبُو حَنَيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ وَالْآخَرُ: أَنَّهُ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مُرُورُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ قِبَاءَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى حَقَائِقِ فَرْضٍ قَدْ كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمُ السُّؤَالُ وَلَا الِاسْتِعْلَامُ عَنْ زَوَالِهِ عَنْهُمْ، وَلَا عَنْ حُدُوثِ غَيْرِهِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمُ الْفَرْضُ الْحَادِثُ الَّذِي لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَالاسْتِعْلَامُ عَنْ فَرَائِضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مَنْ يَرْجُو وُجُودَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ: 251- حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، قَالَ: " نَحْوَهُ ". 252- حَدَّثَنَا أَبُو شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قَالَ: " تِلْقَاءَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا الْقَوْلِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أَنَّهُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ فِي صَلَاتِهِمْ إِذَا كَانُوا يُعَايِنُونَهَا وَالتَّرَحِّي لِاسْتِقْبَالِهَا وَطَلَبِ الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ عَلَى ذَلِكَ إِذَا كَانُوا غَائِبِينَ عَنْهَا.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا: 253- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَهُوَ جَاءٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَلَا ابْنُ عُمَرَ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} " وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فِي هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي أَسْفَارِهِ تَطَوُّعًا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا: 254- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ ". 255- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يُحَدِّثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا لَا يُبَالِي حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ ". 256- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ الطَّحَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُصَلِّي السُّبْحَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَكْتُوبَةِ ". 257- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ السَّكَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ ". 258- حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ". 259- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُرَاقَةَ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُصَلِّي فِي غَزْوَةِ أَنْمَارَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهَةً قِبَلَ الْمَشْرِقِ ". 260- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سَيرِينَ، قَالَ: تَلَقَّيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَأَوْمَأَ هَمَّامٌ بِيَدِهِ عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ، قَالَ: فَقُلْنَا رَأَيْنَاكَ تُصَلِّي إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ: " لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مَا فَعَلْتُهُ ". 261- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ " رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى خَيْبَرَ وَالْقِبْلَةُ خَلْفَهُ ". 262- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا ". 263- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُصَلِّي الرَّاكِبُ عَلَى دَابَّتِهِ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا " وَأَشَارَ أَبُو عَاصِمٍ بِيَدِهِ قِبَالَتَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ وَلَمَّا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا فِي هَذَا الْمَعْنَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ الْمُصَلِّي لِلتَّطَوُّعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ خَارِجٌ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ التَّفْرِقَةَ فِي الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَكنَا وَجَدْنَاهُ فِي غَيْرِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ: 264- حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ " وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْمُومِئِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي فَرْضُهُ فِيهَا الْإِيمَاءُ أَنْ يَجْعَلَ الْإِيمَاءَ لِلرُّكُوعِ دُونَ الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ، لِيَتَبَيَّنَ الْبَدَلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْبَدَلِ مِنْ صَاحِبِهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ الْقُعُودَ الَّذِي يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ بَدَلًا مِنَ الْقِيَامِ فِيهَا بِخِلَافِ الْقُعُودِ الَّذِي هُوَ الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ، فَيَكُونُ الْقُعُودُ الْبَدَلُ مِنَ الْقِيَامِ تَرَبُّعًا، وَيَكُونُ الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، يَقُولُونَ فِي هَذَا وَأَمَّا زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ فَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّ الْقُعُودَ الْبَدَلَ مِنَ الْقِيَامِ كَهَيْئَةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ سَوَاءً، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا: 265- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَعْنِي: الْحَمَّالَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا " قَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَفْصٍ غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ. 266- وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدَ اللهِ الْحَمَّالُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ حَفْصٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ إِسْحَاقُ وَهُوَ الطَّوِيلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ مِنْ أَفْعَالِهِمَا كَمَا: 267- حَدَّثَنَا أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا " رَأَتْ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تُصَلِّي مُتَرَبِّعَةً مِنْ رَمَدٍ كَانَ بِهَا ". 268- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ الْوَلِيدِ الْقَعْقَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَانِئُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَيْلَةَ: " رَأَيْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تُصَلِّي مُتَرَبِّعَةً " وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِيهِ كَانَ خِلَافَ التَّرْبِيعِ. 269- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: " لَأَنْ أَجْلِسَ عَلَى رِضْفَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَرَبَّعَ فِي الصَّلَاةِ " وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالْإِيمَاءِ لِلْمُسَافِرِينَ فِي الْأَمْصَارِ، فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ، يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا كَذَلِكَ إِلَّا فِي الْبَوَادِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا كَذَلِكَ فِي الْبَوَادِي وَالْأَمْصَارِ جَمِيعًا وَقَالَ: 270- حَدِيثٌ، أَخْبَرَنَا حُذَيْفَةُ، أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي، أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ " يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ " لَمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمَا رَوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِيهِ: لِأَنَّ دُخُولَ الْمُسَافِرِينَ الْأَمْصَارَ لَا يُخْرِجُهُمْ مِنَ السَّفَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ فِي الْأَمْصَارِ كَهُمْ فِي قَصْرِهَا فِي الْبَوَادِي، كَانُوا فِي سَائِرِ مَا يَفْعَلُونَ فِيهَا فِي الْأَمْصَارِ كَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُونَ فِيهَا فِي الْبَوَادِي وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ تَطَوُّعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَكَبَّرَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ صَارَ وَجْهُهُ، قَالُوا: وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَطَوُّعِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ مَا: 271- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْجَارُودِ الْهُذَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي الْحَجاجِّ، عَنِ الْجَارُودِ بْنِ أَبِي سَبُرَةَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ للِتَطَوُّعٍ " اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ النَّاقَةُ ". 272- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْجَارُودِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْجَارُودُ بْنُ أَبِي سَبُرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي الصَّلَاةِ " اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ النَّاقَةُ " فَلَوْ وَجَدْنَا لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا قُلْنَا بِهِ، وَلَكِنَّا لَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ مَخْرَجًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَا يَصْلُحُ لَنَا قَبُولُ مِثْلِهِ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي الْحَجَّاجِ لَا يُعْرَفُ، وَلِأَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ عَبْدِ اللهِ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَمَا كَانَ يُصَلِّيهِ مُسْتَقْبِلَ غَيْرِهَا "، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْجَارُودِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ، وَلَوْ تَكَافَيَا لَكَانَ حَدِيثُ جَابِرٍ أَوْلَاهُمَا، لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِمَنْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ دُخُولِهِ فِي صَلَاتِهِ وَلَا بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَافْتَتَحَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ انْحَرَفَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَصَلَّى بِعَيْنِهَا لِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ بِتَرْكِ الْقِبْلَةِ مِمَّا كَانَ دَخَلَ فِيهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا كَانَ التَّوَجُّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ زَادَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا زَادَ عِنْدَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَكَانَ الْمُسَافِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي صَلَاتِهِ، كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِقْبَالِهَا مَعَ دُخُولِهِ صَلَاتَهُ فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي حُكْمِ الْقِبْلَةِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} فَفِي ذَلِكَ أَنَّهُ بِالْخَوْفِ يَرْجِعُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ كَالْمُسَافِرِ الَّذِي لَا خَوْفَ عَلَيْهِ فِي التَّطَوُّعِ، وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ وَبِمَا رُوِيَ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}، وَقَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فَذَكَرَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ، وَلَا وَقْتَهَا، وَلَا عَدَدَهَا، ثُمَّ بَيَّنَهُ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيَّنَ لَنَا عَدَدَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. 273- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: " فَفَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ، صَلَاةً فَرَجَعْتُ حَتَّى آتِيَ مُوسَى، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً فَقَالَ لِي مُوسَى: فَرَاجِعْ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شِطْرَهَا، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلّ ". 274- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: " فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ، فَفُرِضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسُونَ صَلَاةً، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: إِنِّي جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَإِنِّي قَدْ عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ هَذَا، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَإِنِّي قَدْ عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ هَذَا، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى صُيِّرَتْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَنْ تُطِيقَ هَذَا، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ هَمَمْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ بَلْ رَضِيتُ وَسَلَّمْتُ، قَالَ: فَنُودِيتُ أَنْ قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَلَى عِبَادِي وَأَعْطَيْتُهُمْ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ". 275- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 276- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. 277- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، قَالَ الْمُخْدَجِيُّ: فَرَجَعْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْتُ لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَقَالَ عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ " فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ تَبْيِينُ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي افْتَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَمَّا تَبْيِينُ أَوْقَاتِهِنَّ. 278- فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّنِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشُّرْبُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ الْغَدَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى بِيَ الْغَدَاةَ عِنْدَمَا أَسْفَرَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ ". 279- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَكِيمَ بْنَ حَكِيمٍ. 280- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. 281- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بكِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّنِي جِبْرِيلُ فِي الصَّلَاةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ قَامَتْ قَائِمَةً، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَّنِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَفَيْءُ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ، وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْفَيْءُ قَامَتَانِ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، ثُمَّ قَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ". 282- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفُضْلُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ "، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ: " صَلَّاهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَيْثُ ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ ". 283- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبِاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: " صَلِّ مَعِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ فَيْءُ الْإِنْسَانِ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ وَأَسْفَرَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ كَانَ فَيْءُ الْإِنْسَانِ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ فَيْءُ الْإِنْسَانِ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شِطْرُ اللَّيْلِ. 284- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَتَاهُ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَالْقَائِلُ، يَقُولُ: انْتَصَفَ النَّهَارُ أَوْ لَمْ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ الْغَدَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادِتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ، فَقَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ ". 285- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمِ بْنِ دِينَارٍ الصَّائِغُ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: " صَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ نَقِيَّةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابِ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَذَّنَ الظُّهْرَ، فَأَبْرَدَ بِهَا، فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا، وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: وَقْتُ صَلَاتِكُمْ فِيمَا بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ " وَسَقَطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. 286- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَآخِرُ وَقْتِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ ". 287- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَرَفَعَهُ مَرَّةً وَلَمْ يَرْفَعْهُ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: " وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْغَدَاةِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ ". 288- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُصَيْبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ يَتَبَيَّنُ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ، وَأَنَّ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا أَوَّلًا وَآخِرًا، فَأَمَّا وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْنَاهُ فِيهِ، وَإِنَّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَمَّا وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ مِنْ حِينِ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَقَدْ رَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبُجَلِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ هَذَا الْقَوْلَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَرَوَى، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا إِذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ، وَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فِيمَا رَوَيْنَا عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ لَمَّا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ اسْتَحَالَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: آخِرُ وَقْتِهَا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ، بَقِيَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا شَيْءٌ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَلَمَّا كَانَتِ الصُّبْحُ مُنْفَرِدَةً بِوَقْتِهَا لَا يَدْخُلُ غَيْرُهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ مَعَهَا فِيهِ، كَانَ كَذَلِكَ غَيْرُهَا مِنَ الصَّلَوَاتَ فِي النَّظَرِ مُنْفَرِدَةً بِوَقْتِهَا غَيْرَ مُخَالِطٍ لَهَا غَيْرُهَا فِيهَا وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْقَائِلُ، يَقُولُ: احْمَرَّتِ الشَّمْسُ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا حِينَ صَارَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ تَغَيُّرَ الشَّمْسِ فَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَخْبَرَ فِيهَا عَنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ فِيهَا بِالْأَوْقَاتِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ الَّذِي صَلَّاهَا فِيهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَدْ صَارَ مِثْلَيْهِ آخِرُ وَقْتِهَا، لَا وَقْتَ بَعْدَهُ لَهَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ وَقْتِهَا الَّذِي فِيهِ الْفَضْلُ، وَالَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤَخَّرَ بَعْدَهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُؤَخِّرُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مُفَرِّطًا، فَلَمَّا وَجَدْنَا فِي لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، عَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ آخِرُ وَقْتِهَا الَّذِي يَفُوتُ بِخُرُوجِهِ، وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. 289- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوِزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: وَاعَدَنَا أَبُو بَكْرَةَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِهِ فَسَبَقْنَاهُ إِلَيْهَا وَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ، فَجَاءَ وَقَدْ صَلَّيْنَا، وَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ صَلَّى فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَاسْتَيْقَظَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ أَنْ تُوقِظُونِي؟ قُلْنَا: جِئْتَ وَقَدْ صَلَّيْنَا فَظَنَنَّا أَنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ فَقَالَ: مَا انْتَظَرْتُ غَيْرَكُمْ، فَلَمْ يُصَلِّ تِلْكَ السَّاعَةَ حَتَّى إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الْعَصْرَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا أَبُو بَكْرَةَ لَمْ يَجْعَلْ مَا بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَلَوْ جَعَلَهُ مِنْ وَقْتِهَا إِذًا لَصَلَّاهَا فِيهِ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فَكَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا: 290- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ ". 291- حِدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَبِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَهُ مُدْرِكًا لِلْعَصْرِ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، ثَبَتَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِلْآخَرِينَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ عَارَضَهُ نَهْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. 292- وَذَلِكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: " ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ، وَحِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ ". 293- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. 294- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا، وَإِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ ". 295- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الصَّنَابِحِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا " " وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ ". 296- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ الصَّنَابِحِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ وَقْتَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ لَا يُصَلَّى فِيهِ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْعَصْرِ، لِأَنَّ سَائِرَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَوَاءٌ تُقْضَى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْفَائِتَاتُ، وَلَا تُقْضَى صَلَاةٌ فَائِتَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ وَقْتٍ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ، لَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِيهِ وَأَمَّا أَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْنَاهُ أَنَّهُ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهَا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إِذَا غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي الشَّفَقِ مَا هُوَ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي قَبْلَ الْبَيَاضِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ. 297- حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: " كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ يُصَلِّيَانِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَرَيَانِ الشَّفَقَ الْحُمْرَةَ " وَطَائِفَةٌ تَقُولُ: الشَّفَقُ الْبَيَاضُ الَّذِي بَعْدَ الْحُمْرَةِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمَّا كَانَ طُلُوعُ الشَّمْسِ يَتَقَدَّمُهُ الْفَجْرُ، وَغُرُوبُهَا يَتْلُوهُ الشَّفَقُ، وَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ، وَكَانَ إِجْمَاعُهُمْ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ إِنَّمَا تَجِبُ بِطُلُوعِهِمَا، لَا بِطُلُوعِ أَحَدِهِمَا، كَانَ كَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ تَجِبُ بِغُرُوبِهِمَا، لَا بِغُرُوبِ أَحَدِهِمَا وَطَائِفَةٌ تَقُولُ: وَقْتُ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِفيَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَذْهَبُونَ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فَقِسْمٌ مِنْهُ مِنْ حِينِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا إِلَى أَنْ يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَهُوَ أَفْضَلُ وَقْتِهَا، وَقِسْمٌ مِنْهُ مَا بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ إِلَى تَمَامِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي الْفَضْلِ دُونَ ذَلِكَ، وَقِسْمٌ مِنْهُ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَيْهِ عِنْدَهُمْ إِسَاءَةٌ وَتَضْيِيعٌ، وَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعِشَاءَ فِيمَا رَوَيْنَا عَنْهُ فِي الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا، عِنْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَرُوِيَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ أَخَّرَهَا إِلَى وَقْتِ الْفَضْلِ مِنْ وَقْتِهَا، وَثَبَتَ بِحَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى اسْتِغْرَاقِ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ وَقْتِهَا وَإِنْ كَانَ فِي الْفَضْلِ دُونَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا مَا وَجَبَ بِهِ أَنَّ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ وَقْتِهَا. 298- فَإِنَّ يُونُسَ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ، وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جَرِيجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " مَا إِفْرَاطُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ؟ قَالَ: طُلُوعُ الْفَجْرِ " فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ هَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، فَاسْتَحَالَ بِذَلِكَ أَنْ يَزِيدَ فِي وَقْتِهَا عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ بِمَا سِوَاهُ مِمَّا يُبِيحُ ذَلِكَ لَهُ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عِنْهُ فِي ذَلِكَ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْمَعْنَى. 299- حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ " وَصَلِّ الْعِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ وَلَا تُغْفِلْهَا " وَسَأَلَ سَائِلٌ، فَقَالَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارِ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، فَفِي هَذَا مَا دَلَّ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ الَّذِي صَلَّاهَا فِيهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتًا لَهُمَا جَمِيعًا؟ فَقِيلَ لَهُ: مَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْتَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّقْرِيبِ فَيَكُونُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ قَرُبَ أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ، فَجَاءَ بِهِمَا جَمِيعًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَقْرَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا، قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَالَ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}، فَكَانَ الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّسْرِيحِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ بِتَرْكِ الْعَضَلِ لَهُنَّ عَنِ النِّكَاحِ، وَقَدْ جَاءَ بِهِمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ فِي الْحَقِيقَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْمُرَادِ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، كَذَلِكَ جَاءَ بِهِمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ وَبِقَوْلِهِ: إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ عَدَدَ مَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُنَّ مِنْ رَكْعَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَهُ لَنَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 300- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " فُرِضَتِ الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ ". 301- حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 302- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ "، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ مِثْلَهَا غَيْرَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهَا وِتْرٌ، وَغَيْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِطُولِ قِرَاءَتِهَا وَاللهُ أَعْلَمُ ".
|